يبدي الرئيس بشار الاسد الذي ينفي بشدة اتهامات الغرب لنظامه بتنفيذ هجوم كيميائي على مدينة في شمال غرب سوريا، قناعة مطلقة بقدرته على حسم الحرب التي تنهك بلاده منذ ست سنوات.
متسلحاً بدعم حليفيه الروسي والايراني، لا يبدو الاسد متأثراً بالتهديدات الاميركية ولا بالضربة الصاروخية المباشرة التي نفذتها واشنطن على قاعدة جوية للجيش السوري في وسط البلاد الاسبوع الماضي.
وقال الاسد "معاناة الشعب السوري (...) هي الامر الوحيد الذي يمكن أن يحرمني النوم بين وقت وآخر لكن ليس التصريحات الغربية ولا تهديداتهم بدعم الارهابيين".
وبطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، يناقض الاسد (51 عاما) الصورة التقليدية لنظرائه العرب الذين حكموا بلادهم من دون منازع لسنوات طويلة. فهو يرتدي دائما بزات رسمية غربية الطراز، مرفقة بربطات عنق أنيقة.
ومنذ اندلاع النزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من 320 الف شخص في سوريا، يبدي الاسد صلابة في مواجهة خصومه. في اطلالاته الاعلامية، يظهر هادئاً ولبقاً، وفي الوقت ذاته واثقاً من قدرته على الخروج منتصرا من حرب مدمرة مستمرة منذ ست سنوات.
يؤكد الدبلوماسي الهولندي السابق والخبير في الشؤون السورية نيكولاس فان دام لوكالة فرانس برس "لطالما كان الامر بالنسبة الى الاسد معركة حياة او موت. لم يكن خيار وقف الحرب مطروحا لديه اصلا. فإما النصر واما الهزيمة".
وتبدلت حياة طبيب العيون السابق بشكل جذري العام 1994، اثر وفاة شقيقه الاكبر باسل الذي كان يتم اعداده ليحكم البلاد خلفا لوالده الرئيس حافظ الاسد، في حادث سير قرب دمشق.
واضطر للعودة من لندن حيث كان يتخصص في طب العيون، وحيث تعرف الى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من احدى ابرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية. وكانت أسماء تعمل مع مصرف "جي بي مورغان" في الوسط التجاري في لندن.
ويتحدر الاسد من الاقلية العلوية في بلد ذي غالبية سنية. وتتلمذ في الملفات السياسية على يد والده حافظ وورث عنه الطباع الباردة والشخصية الغامضة.
ويقول فان دام، وهو مؤلف كتاب "القتال من اجل السلطة في سوريا"، ان "النظام يمتلك خبرة عمرها نصف قرن حول كيفية البقاء في السلطة. كما يحظى بدعم الجيش والاجهزة الامنية".
ولم يغير الاسد، وهو اب لولدين وبنت، من عاداته خلال سنوات النزاع، حيث لا يزال يقطن في منزله ويعمل في مكتبه وسط المدينة.
ورداً على تصريحات لوزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون قال فيها ان حكم عائلة الاسد يقترب من نهايته، اجاب الاسد "ليس هناك حكم لعائلة الاسد في اي حال من الاحوال في سوريا"، مضيفا "انه يحلم او لنقل انه يهلوس".
وبدأت مسيرة الاسد السياسية في العام 2000، بعد وفاة والده حافظ الذي وصل الى سدة الحكم العام 1970، وحكم بلاده طيلة 30 عاماً بقبضة من حديد.
ومع اندلاع "الربيع العربي"، واجه الاسد حركة احتجاجات سلمية ضخمة في العام 2011، فاختار قمعها بالقوة، مصنفا معارضيه على الفور بالمتطرفين، قبل ان تبرز المجموعات الجهادية او الاسلامية. واعتبر التحركات المعارضة لنظامه "مؤامرة" نسجتها الولايات المتحدة واسرائيل ضد "محور المقاومة" الذي يضم سوريا مع ايران وحزب الله اللبناني.
وخلال السنوات الست الاخيرة، امتلك الاسد، كما الحلقة الضيقة المقربة منه، قناعة راسخة بقدرتهم على الصمود وتحقيق النصر.
ويقول مدير ابحاث الشرق الاوسط في جامعة اوكلاهوما جوشوا لانديس "ردد مستشارو الاسد منذ البداية انهم واثقون بالنجاح طالما ان الطيران الاميركي لا يقصف دمشق والولايات المتحدة لم تتورط مباشرة في الحرب".
وعلى غرار والده، عرف الاسد كيف يصبر وينتظر التوقيت المناسب.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السورية القريبة من دمشق وضاح عبد ربه ان الاسد "ينتمي الى مدرسة والده، وهذه المدرسة لطالما أتقنت التحكم بعامل الوقت وبتحويل مسار الرياح غير المؤاتية لصالحها".
الا ان مفتاح الاسد هو صلابة التحالفات، بخلاف خصومه.
ويضيف عبد ربه "لم يشك يوما بالنصر لانه كان يعلم ان بلاده انشأت منذ عقود تحالفاً صلباً واستراتيجياً مع روسيا وايران وسواهما".
وتعود علاقة دمشق مع موسكو وطهران الى أكثر من اربعين عاماً، اي الى مرحلة الاتحاد السوفياتي من جهة والحرب العراقية الايرانية في الثمانينات من جهة ثانية.
ومنذ بدء النزاع، قدم الحليفان دعماً مطلقاً للاسد على المستويات كافة، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
ولعب هذا الدعم دوراً محوريا في قلب موازين القوى لصالح الاسد على جبهات عدة خلال السنتين الماضيتين.
[email protected]