أصدر الأمين العام السابق للتجمع، عوض عبد الفتاح بيانًا توضيحيًا حول إستقالته من رئاسة الحزب، مؤخرًا، مؤكدًا أنّ "الاستقالة هي من الرئاسة وليست من حزب التجمع "، موضحًا أنّ "الأحزاب ليست ملك شخص حتى لو كان من مؤسسيها". وأشار عبد الفتاح أيضًا إلى أنّ "حزب التجمع، بعد عشرين عاما أو اقل، احتاج مثل أي حزب آخر، إلى التجديد، أحيانا بتغيير الوجوه، أو بتطوير السياسات التنظيمية الداخلية، أو الفكرية، أو في العلاقة مع الأحزاب الأخرى، أو في العلاقة مع المشروع الوطني الفلسطيني"، على حدّ تعبيره.
ننشر لكم البيان التوضيحي الذي أصدره عوض عبد الفتاح كاملًا. وجاء فيه ما يلي:"أثارت استقالتي من رئاسة الحزب سوء فهم عند الكثير من الناس، ولا يزال البعض يتصل ويسألني ما إذا كان المقصود استقالة من التجمع معتقدا أن ذلك نابع من صراعات داخليه، مع أننا لا ننكر أن هذه الصراعات هي سمة لكل الأحزاب بل للعمل السياسي. إنها خطوة طبيعية تأتي في إطار الحاجة إلى التجديد، وإلى ترسيخ هذا التقليد في أحزابنا وحركاتنا ومؤسساتنا. وأفترض أن هناك أيضًا كثيرين من يعتقدون أن الاستقالة هي من الحزب، مع أني نشرت على صفحتي الرسمية رسالة توضح الخطوة المذكورة. لذلك وجدت من الضروري توضيح هذا الأمر والتطرق إلى بعض القضايا المتصلة بظروفنا العامة كحركة وطنيه وكشعب.
أولاً: ليست الاستقالة من حزب التجمع، بل هي استقالة من رئاسة الحزب بناء على رغبتي وخياري الخاص بأن لا أبقى أكثر من ستة أشهر في هذا المنصب. كنت أمينا عاما قبل ذلك ومنذ عام 1997، وفِي السنوات الماضية وقبل المؤتمر السادس لعام 2011، رغبت في أن ينقل الحزب هذه المسؤولية إلى قيادي آخر في الحزب وأن أتفرغ لمجالات أخرى مثل التثقيف والعلاقات الخارجية. واقترحت على قيادة الحزب أسماء محدده لتكون مرشحه لهذا المنصب أي الأمين العام وهكذا تم انتخاب أمين عام جديد في المؤتمر السابع، الصيف الماضي.
ثانيا: ليست الأحزاب ملك شخص، حتى لو كان من مؤسسيها، ولا هي ملك أشخاص. نعم يبادر عادة إلى بناء الأحزاب مجموعة قليلة من الأشخاص تجمعهم رسالة واحدة، وأرادة واحدة. يتحملون، خاصة في بداية الطريق، مشقة البناء أكثر من غيرهم، ولكن حين يصبح الحزب قوة تنظيمية وسياسية، وينال ثقة قطاعات واسعة من الشعب، يصبح ملكا لهذا الشعب، أو على الأقل لقواعده الشعبية. وحزبنا هو مشروع وطني جامع، وليس حزب شخص كما بعض الأحزاب، وله مؤسساته الحقيقية، ودوائره المختصة ومؤتمراته، وله منظماته الطلابية والشبابية.
ثالثا: التجديد والتجدد سنة الحياة والتجديد في المؤسسات البشرية بات ضرورة حياتية للمجتمعات في العصر الحديث. وعلى سبيل المثال، أرى في إطلاق حزب التجمع، عام 19955، ومن خلال تجميع عدة حركات وطنية، قطرية ومحلية كانت متنافسة فيما بينها، بمثابة عملية تجديد سياسي وفكري أنضجتها الحاجة بعد لانهيارات الكبرى دوليا وعربيا وفلسطينيا. وهي عملية كانت ولا تزال آثارها حاضرة في حياتنا السياسية والثقافية والنضالية، بل هي التي أعادت تشكيل الخطاب السياسي لفلسطينيي الداخل، في مواجهة الأيدلوجية الصهيونية العرقية الكولونيالية، خطاب دولة المواطنين النقيض لخطاب يهودية الدولة وصهيونيتها، وهو الخطاب السائد الآن وأن كأن البعض يحمله بالاسم فقط. وسيكون لهذا الخطاب والرؤية تأثير استراتيجي على مسار المستقبل، خاصة وانه يحمل أيضًا القاعدة النظرية والأخلاقية لدولة المواطنين ليس داخل حدود الـ48 لإسرائيل فحسب ، بل في كل فلسطين المتحررة مستقبلا من نظام الأبارتهايد الكولونيالي، وإفرازاته الإجرامية. أي دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية.
وبطبيعة الحال كان التغيير أيضًا متمثلا بالأشخاص الذين قادوا هذه العملية التغييرية وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر. نحن المؤسسون لم نكن نقود السياسة العربية في الداخل حتى تاريخ بناء التجمع وكنا معارضة داخل لجنة المتابعة، ليس فقط قادة حركة أبناء البلد على سبيل المثال، بل أيضًا عزمي بشارة الذي هو ورفاقه، كانوا معارضين أو متمردين داخل الحزب الشيوعي. لا شك أننا جميعا كنّا مسيسين لأننا جئنا من حركات سياسيه كانت فاعله ( ولا تزال ) ولكنها كانت توقفت عن التطور آنذاك.
رابعًا: حزب التجمع، بعد عشرين عاما أو اقل، احتاج مثل أي حزب آخر، إلى التجديد، أحيانا بتغيير الوجوه، أو بتطوير السياسات التنظيمية الداخلية، أو الفكرية، أو في العلاقة مع الأحزاب الأخرى، أو في العلاقة مع المشروع الوطني الفلسطيني. أو لأن الدساتير تنص على الانتخابات الدورية ومنها من يُحدد فترة إشغال المناصب في عدد محدد من السنوات، حتى لو كأن للشخص القيادي قدرة على التجديد والاستمرار. والحقيقة هناك أناس حتى لو تقدموا في السن يحتفظون بالروح النضالية العالية وبالقدرة على التجديد.
ومن منطلق الوعي بأهمية التجديد الدائم، كان لدى قيادة التجمع البرنامج العملي، منذ اليوم الأول، لتنمية وتثقيف وتدريب أفواج من الجيل الشاب في إطار برامج تثقيف منهجيه. واشعر شخصيا بالفخر أن لدى حزبنا كوادر شابة، المئات، الذين يتميزون بثقافتهم وبجاهزيتهم النضالية. وبعضهم وصل إلى الهيئات المركزية في المؤتمر الأخير والمؤتمر الذي سبقه. وفِي المعركة ضد مخطط برافر، كانوا في مقدمة المواجهات الشعبية. وكذلك في المواجهات التضامنية مع أسرى الحرية الفلسطينيين المضربين. هذا ناهيك عن دورهم في التنظيم والنضالات في الجامعات وفِي بلداتهم. خامسا : ليس الشباب خيرا مطلقا .أي ليست هذه الفئة العمرية منزهة وطهورية بالمطلق. قد نجد بين هؤلاء أيضًا من تلوث بقدر معين بأمراض بعض السياسيين العرب، مثل الغيرة من زملائهم ورغبتهم في أن يظهروا هم لا غيرهم أو أن يفوزوا في عضوية هيئه مركزيه لا غيرهم حتى لو كانوا اقل قدرة ونشاطًا، والميل المرضي في النجومية وحب الظهور، أي الذاتية المفرطة عبر تضخيم الذات، وأحيانا دون أن يكون لهم حضور فعلي في الميدان والعطاء. هذه للأسف ظاهرة موجودة أيضًا بين بعض الشباب في جميع الأحزاب والحركات. ولكن ما يطمئن هو أن هؤلاء أقلية، وأن كأن سلوكها مزعجا.
لا بد من الإشارة إلى أنّ هناك قطاع يتزايد عددا من الشباب الوطني والدينامي خارج الأحزاب، وهو أمر هام شريطة وجود آلية سليمة وإبداعية لضمان التفاعل مع شبيبة الأحزاب المختلفة.
خامسًا: لجنة المتابعة، وعطفا على البند الأخير، باتت بحاجة لتحديث حقيقي، وتوفير أسنان قويه لها. وفصلنا كيفية ذلك في مقالات عديدة. ولكن من بين الشروط العديدة المطلوبة للتحديث، حان الوقت لإدخال الشباب (ذكورا وإناثا) في قيادة لجنة المتابعة (السكرتارية .. التي هي بمثابة اللجنة القيادية والفعلية للجنة المتابعة). أن المماطلة في تنفيذ هذا الشرط، من شانه أن يوسع الفجوة مع الأجيال الشابة، وأن يقود إلى انفصال تام، أو إلى تضييع هذه الطاقات. أنا عضو في سكرتاريا لجنة المتابعة (أي اللجنة التنفيذية) بالإضافة إلى مطانس شحادة، وسأطرح على قيادة الحزب أن يحل مكاني احد الوجوه الشابة القيادية (وأفضل أن تكون امرأة خاصة وانه لا توجد امرأة واحدة عضوة في السكرتارية، وهذا أمر مشين لنا جميعا).
سادسًا: نعيش كفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وكشعب فلسطيني، ظرفا سياسيا واجتماعيا وماديا في غاية الخطورة، إذ تبدو إسرائيل ماضية في حسم الصراع معنا، وإسدال الستار على طموحنا الوطني في التحرر والحرية، والمساواة والعدالة، بهدف إخضاعنا وإجبارنا على القبول بالأمر الواقع، واقع السيطرة والحرمان.
ولذلك فأن مواصلة العمل بالبنى التمثيلية وبالأدوات القليلة القائمة، هو وصفه لتشجيع نظام الأبارتهايد على مواصلة الاندفاع في مخططه التدميري. إذا، فإن حالة الغضب الشعبية، لا بد أن تتحول إلى فعل شامل منظم ومنهجي وبنائي، وهذا يتطلب، وبالسرعة الممكنة وبدون تأخير، ورشات عمل حقيقية يشترك فيها خيرة السياسيين والمهنيين والباحثين لإعادة هيكلة مؤسساتنا وتنجيعها لتصبح قادرة على قيادة فلسطينيي ال٤٨ باعتبارهم مجموعه قوميه متماسكة، وتتصرف بالوقت ذاته كجزء من شعب يعيش بأكمله تحت نظام قهر كولونيالي يفرض التشبيك بين خصوصيات كل تجمع سكاني وجغرافي من هذا الشعب، في سبيل نضال تحرري وطني و ديمقراطي. لدينا نقاط قوة كثيرة لا بد أن نجدد طرق استثمارها.
سابعًا: تتعرض الأحزاب والحركات الوطنية في الداخل لحملة مطاردة وتحريض دموي غير مسبوقة، و أشدها بشاعة حظر الحركة الإسلامية وسجن رئيسها، الشيخ رائد صلاح، و حملة الاعتقالات الجماعية لقيادات وكوادر التجمع الوطني الديمقراطي بعد منتصف الليل أيلول الماضي . كل ذلك بهدف تجريد المواطنين العرب من مصادر قوتهم، من أحزابهم وحركاتهم الوطنية، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية لفلسطينيي الداخل بحيث تكون، في اعتقادها، اقل خطرا وإزعاجا لمشروعها الاستعماري العنصري. أن ما تبتغيه إسرائيل تحديدًا هو دق الأسافين داخل المجتمع الواحد وتأليب الأحزاب ضد بعضها، وتصنيفها وفق معادلة التطرّف والاعتدال. وهنا احذر من الانجرار وراء هذه المحاولات الإسرائيلية وبطبيعة الحال دون قمع حرية النقاش الداخلي فيما بيننا، النقاش المسئول والصريح، الذي يهدف إلى تصويب الطريق.
سأبقى جنديا في الحركة الوطنية، وفِي خدمة شعبي، إلى جانب كل الأحرار الذين يكافحون بالسبل الممكنة والوسائل المشروعة، من اجل حياة أفضل في وطننا ومن اجل عالم أكثر عدالة وإنسانية"، إلى هنا نص البيان كما وصلنا.
[email protected]