تحت وقع الهجمات القاتلة والتفجيرات، شهد العالم العربي ولادة "بلد" جديد سنطلق عليه اسم "جهادستان" وهو يمتد من من شمال غرب سوريا وحتى شرق العراق وشماله. وهذا حدث بالغ الأهمية ليس بالنسبة للمنطقة بل لأوروبا أيضاً. فقد استغلت المجموعة الجهادية بقيادة العراقي أبو بكر البغدادي ضعف سوريا والعراق وتفككهما من اجل توسيع رقعة الاراضي التي يسيطر عليها تنظم "داعش". وهذا الانجاز لم تستطع قط تحقيقه حتى "القاعدة" في أفغانستان تحت قيادة الطالبان في نهاية التسعينيات.
يستطيع "داعش"، وهو تنظيم متفرع عن "القاعدة" ويتمتع بالقدرات العسكرية والموارد المالية ويعتنق رسمياً المذهب السني الصافي والعنف المطلق، تغيير خريطة المنطقة من خلال سيطرته على جزء من المناطق البترولية في سوريا والعراق. ونجح هذا التنظيم في جذب المئات وربما الالاف من الشباب المسلم الذين جاؤوا الى القتال في صفوفه لا سيما في سوريا.
خلال الأيام الاربعة الماضية استطاعت قوات البغدادي السيطرة على الموصل عاصمة شمال العراق على نهر دجلة ونجحت في احكام قبضتها على منطقة نينوى باسرها. وهي أيضاً موجودة في الفالوجة التي تقع على بعد 100 كيلومترا عن بغداد، كما تسيطر على تكريت وسامراء، باختصار اصبحت تسيطر على الجزء الاكبر من العراق السني.
كما نجح "داعش" في احكام قبضته على جزء من غربي سوريا واقام تواصلاً جغرافياً مع معقله العراقي. وبهذه الطريقة بدأت تبرز جذور دويلة تجبي الضرائب والفدية وتنهب النفط وتبيعه بطريقة غير شرعية. وبذلك يكون البغدادي قد حقق هدفه اي خلق قاعدة جهادية في العراق مثلما كان أفغانستان في الماضي بالنسبة للقاعدة.
لقد سمح نظام الأسد للبغدادي القيام بذلك لاسباب تكتيكية. لكن النظام العراقي ذا الغالبية الشيعية عاجز عن وقف تقدم داعش. فحكومة نوري المالكي تمارس سياسة طائفية موالية للشيعة مما جعلها هدفاً لعداء الاقلية السنية العراقية. وكانت النتيجة هذه الفوضى الاستراتيجية الهائلة، إذ من الصعب معرفة الى اين تسير الامور. فالقبائل السنية العراقية تدعم داعش بسبب اساءة بغداد لها. وبما ان المالكي حليف للأسد- والاثنان يحظيان بدعم إيران- فهو يرسل الميليشيا الشيعية العراقية للقتال في سوريا. اما الولايات المتحدة فهي مع الجهتين، فهي في سوريا تدعم الى حد ما الثورة ضد نظام الأسد، وفي العراق تدعم نظام المالكي ضد داعش. في حيت تبقى روسيا وفيّة لتحالفها مع إيران وسوريا وقت تشيح أوروبا ببصرها عما يجري.
في سنة 2003 وتحت شعار الحرب ضد الارهاب غزت أميركا العراق. واليوم بعد مرور 11 سنة وعلى انقاض الغزو المجنون انتصر الجهاديون في العراق. وهذا يشكل كارثة هائلة لواشنطن، ومأساة لا تنتهي بالنسبة للعراقيين والسوريين، والخطر المقبل بالنسبة للأوروبيين.
[email protected]