شهدت مصر في السنوات الأربعة الماضية ظهورا لافتا للحركات المسلحة، بدءا بعمليات تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، مرورا بظهور 6 حركات تتبني المقاومة المسلحة، ووصولا إلى الحركة السابعة، وهي "حسم" (حركة سواعد مصر)، التي زادت مؤخرا وتيرة هجماتها في مختلف أنحاء البلاد.
هذا الظهور اللافت لـ"حسم" يضعه خبراء في شؤون الحركات المسلحة وفي الملف الأمني ضمن سيناريوهين مستقبليين، فإما أن تتمكن قوات الأمن من تحجيم الحركة، كما فعلت بالحركات الست السابقة، أو تواصل حسم هجماتها لتشكل تهديدا هو الأخطر داخل العاصمة وبقية المحافظات، وليس في سيناء فقط.
بعد يومين من استهداف حاجز أمني قرب أحد المساجد قبيل صلاة الجمعة، غربي العاصمة القاهرة، الجمعة الماضي، أودى بحياة 6 شرطيين وتبنته حسم، استيقظ المصريون، أمس الأحد، على تفجير استهدف كنيسة وسط العاصمة، أسقط عشرات القتلى والجرحى ولم تتبنه أي جهة حتى الآن، ليضاف هذان الهجومان إلى سلسلة عمليات مسلحة تضرب مصر.
ونفت جماعة الإخوان المسلمين، المنتمي إليها الرئيس المخلوع محمد مرسي، في بيان للمتحدث باسمها، طلعت فهمي، مساء أمس الأول السبت، وجود أي ارتباط لها بـ "حسم"، وشددت على أن الجماعة "ليس لها علاقة بأي تنظيم، أو أفراد، تسفك الدماء، وليس لديها جناح مسلح".
جيل جديد من الحركات
الخبير في شؤون الحركات الجهادية المسلحة، كمال حبيب، قال لوكالة الأناضول، إن "مصر ليست ببعيدة عما يحدث في المنطقة التي تشهد منذ بضعة عقود ظهور أجيال متوالية تتبنى العنف. وساعد على تواجدها بمصر الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والحلول الأمنية الباطشة".
ورأى أن هذا الجيل المصري الجديد توسع بعد الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر الحديث، عام 2013، حيث شعر بالظلم مما حدث ورفض مواجهته بسلمية فظهرت حركات مسلحة عدة ومنها أجناد مصر، ولواء الثورة، وأخيرا حسم".
هجمات "حسم"، وفق حبيب، تتم باحترافية واضحة، حيث يبدو واضحا التخطيط المسبق لها كما أنها "تستغل أيام الإجازات والعطل الأسبوعية، حيث يكون الأداء الأمني متراخيا، والمسرح متهيئا لهجمات تزيد حالة المتابعين للحركة"، متوقعا أن تكون تلك الحركة "تجميعا لحركات سابقة تبنت العنف، بداية من ولاية سيناء (بايعت داعش)، وحركات ظهرت عقب الإطاحة بمرسي، مثل المقاومة الشعبية، وكتائب حلوان".
الخبير المصري يرى في "عمليات حسم نواة للتمركز كقوة مقاومة رئيسية في المستقبل، وتهديد حقيقي للنظام الحاكم برئاسة عبد الفتاح السيسي"، مرجعا ذلك إلى "وجود بيئة مؤيدة وحاضنة ومشجعة للعنف، مثل القرارات الاقتصادية الصعبة الأخيرة (تحرير سعر صرف الجنيه وخفض دعم الوقود) وتصلب الدولة، وتوجهها المركزي، وسن قوانين تؤمم الحياة المدنية، فضلا عن عقلية أمنية تتصور أن الحل في اليد الباطشة فقط" وليس في المصالحة.
ووفق رصد لمراسلي الأناضول، لا تعلن حركة "حسم" في بياناتها عن انتمائها التنظيمي وهويتها الأيديولوجية، غير أنها تنعت بياناتها بلفظ "العسكرية"، وأصدرت 8 بيانات بين 16 تموز/ يوليو الماضي و9 كانون أول/ ديسمبر الجاري.
هجمات "حسم"، بحسب بياناتها، تستهدف "القضاة والشرطة والمؤيدين للنظام الحالي"، وتسببت في مقتل 9 شرطيين وإصابة مثلهم، بينما فشلت في اغتيال مسؤولين قضائيين، هما النائب العام المساعد، زكريا عبد العزيز، ورئيس محكمة جنايات القاهرة، أحمد أبو الفتوح، إضافة إلى المفتي السابق، علي جمعة.
وقبل حسم، ظهرت 6 حركات، منذ الإطاحة بمرسي، وهي: لواء الثورة، وأجناد مصر، والمقاومة الشعبية، والعقاب الثوري، وكتائب حلوان، وولع"، وتوقفت عمليات تلك الحركات، تحت وطأة مواجهات أمنية.
هذه الحركات سبقها تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي ظهر في سيناء حزيران/ يونيو 2012، وأعلن في تشرين ثان/ نوفمبر 2014، مبايعة أمير "داعش"، أبو بكر البغدادي، وغيّر اسمه لاحقا إلى "ولاية سيناء"، وهو التنظيم الذي تبنى غالبية الهجمات على قوات الأمن منذ 2013، وفي تشرين أول/ أكتوبر 2015 تبنى إسقاط طائرة ركاب روسية في سيناء، ما أودى بحياة 224 شخصا، كانوا على متنها.
ويرى الرئيس السابق لقسم التحليل والتنبؤ في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، حسين حمودة مصطفى، أن "حركة حسم هي نتاج تطور طبيعي لتنظيمات يعتبرها إرهابية انشطارية ظهرت عقب الإطاحة بمرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وبدأت بتنظيمات قليلة الخبرة والكفاءة، مثل ضنك، إعدام، بلطجية ضد الانقلاب، مجهولون، المقاومة الشعبية، أحرار، العقاب الثوري، ثم تطورت قدراتها وصولا إلى لواء الثورة، ومن حسم".
حسم تحاكي المنهج العسكري
وذكر مصطفى، في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن "حسم تضم عناصر سلفية جهادية أو إخوانية. وهم إما لم يُقبض عليهم، أو كانوا موقوفين على ذمة قضايا عنف وبرأتهم محاكم، ثم أُطلق سراحهم، أو ثبت ضلوعهم في عمليات إرهابية مؤخرا، فضلا عن عناصر من تنظيمات إرهابية مشابهة، مثل فلول تنظيم أجناد مصر، الذي تفكك بتصفية قائده همام عطية العام الماضي".
وبحسب مصطفى، وبالرغم من نفي جماعة الإخوان بشكل قاطع، فإن "الأجهزة الأمنية تصنف حسم على أنها حركة إخوانية منبثقة عن اللجان النوعية الإخوانية، التي يسميها الإخوان لجان العمل الثوري، ومع تطور الأحداث اتجهت عناصر من هذه التنظيمات بشكل فردي وليس تنظيمي من الفكر الإخواني إلى فكر السلفية الجهادية التكفيري أو الداعشي، على حد تعبير الخبير الأمني، ولا يخلو الأمر من دور غير متعمد للأجهزة الأمنية المصرية فيما آلت إليه عناصر تلك التنظيمات من حيث دفعها للعمل المسلح.
وبشأن كفاءة عناصر حسم، يرى مصطفى أن "بعضها متواضع بحسب ما كشفته محاولة اغتيال المفتي السابق علي جمعة في آب/أغسطس الماضي بأسلحة نارية. بينما تتمتع مجموعات بالحركة مثل الرصد، واختيار الأهداف، والإعلام، بكفاءة عالية. وأكبر مجموعات حركة حسم كفاءة هي فرقة المفرقعات المركزية، التي دبرت هجوم الجمعة الماضي غربي القاهرة، وفق الخبير الأمني.
وتابع أن "حسم ركزت في صناعة العمل الإرهابي على عمليات التفجير عن بُعد؛ معتمدة على كفاءة فرقة المفرقعات المركزية؛ مما يقلل من احتمالات كشف أو ضبط عناصر التنظيم، والحد من خسائره، وإحداث دوي إعلامي، فمن بين تسع عمليات إرهابية، نُفذت خمسة بالتفجير عن بعد".
مصطفى ذهب إلى أن "حسم تحاكي المنهج الداعشي في الترويج الإعلامي للتنظيم وعملياته، بإصدار بيانات صحفية مُرقمة تغلب عليها الصبغة العسكرية، وتبني العمليات، وتوظيف الصورة في البيانات، لما لها من أثر كبير في الترويج للتنظيم".
وعن الانتشار الجغرافي لـ"حسم"، قال الخبير الأمني المصري إنها، بجانب العاصمة، "تتنامى في مناطق ما يعرف بحزام الإرهاب في المحافظات القريبة من العاصمة، مثل الفيوم، وأرياف محافظات الجيزة والقليوبية والشرقية، والتي تُطوق أحياء تقطنها الطبقة الوسطى والثرية".
ومضى محذرا من أنه "في حال فشل الأجهزة الأمنية في القضاء على خلايا هذه الحركة، فستصبح أخطر التنظيمات الإرهابية داخل القاهرة ومحيطها".
وحول احتمال التعاون بين "حسم" و"ولاية سيناء"، اعتبر مصطفى أنه "قائم بالفعل" لكنه استبعد "حدوث اندماج بين التنظيمَيْن رغم التقارب الأيديولوجي".
حسم والمواجهة الأمنية
الخبيران في شؤون الحركات الجهادية، أحمد بان، وناجح إبراهيم، يتفقان على أنه لا مستقبل لحركات العنف على حد وصفهما، في ظل تكلفة غالية ستدفعها هذه الجماعات خلال المواجهات الأمنية.
بان قال إن "حسم تستدعى السلفية الجهادية، وهي نتاج صدام بين الإسلاميين والدولة، وليس لها مستقبل، فالتاريخ يقول إنه لا مستقبل لحركات تواجه دولة، فضلا على أنها مجموعات عنف عشوائية، والخسائر ستكون كبيرة في مواجهات متوقعة مع أجهزة الأمن".
فيما يرى إبراهيم أن "حسم هي نتيجة لمجموعات يأست من مظاهرات تواجه الدولة أو تغير سليما الواقع السياسي، وربما كانت في البداية لا تتبني العنف المسلح، وتوافق فقط على الحرق والتخريب دون مساس بالأرواح".
وختم إبراهيم بتوقع أن "ينحسر تهديد حركة حسم للدولة مع المواجهة الأمنية"، لكنه حذر من أن "الأخطر من تهديد حسم، هو أن النظام الحاكم ربما يسلك مسارا استبداديا، ويتخذ مزيدا من القرارات الانفعالية تجاه تقييد الحريات"، وهو ما سينتج المزيد من حركات العنف.
وفي ظل أزمة سياسية وأمنية واقتصادية، يعاني المجتمع المصري انقساما حادا بين قطاع يعتبر الإطاحة بالرئيس مرسي انقلابا، وآخر يراه استجابة من الجيش لـ"ثورة شعبية" على حكم مرسي، الذي حكم لعام واحد من ولايته الرئاسية.
ومن آن إلى آخر، تتصاعد دعوات في مصر إلى تسوية سياسية، تقود إلى مصالحة شاملة تساعد في القضاء على الكيانات، التي تستغل حالة الانقسام الراهنة.
[email protected]