الحياة الجنسية جزء أساسي من حياتنا كراشدين ولكننا نشعر في معظم الأحيان بالإحراج لمناقشة هذه الموضوعات مع صغارنا. تخوّفنا من التأثير على نمو الطفل وحياته الجنسية المستقبلية وعرقلتها، هو ما يدفعنا إلى تفادي الموضوع. عندما يطرح علينا أولادنا أسئلة متعلقة بالحياة الجنسية، نشعر غالباً بعدم الإرتياح ولا نعرف كيف نُجيب عنها. في الواقع علينا أن نفهم أن المشكلة الأولى في التحدّث عن الجنس هي مع أنفسنا . فنحن عندما نريد أن نتحدّث عن العمل الجنسي، نُفكّر في الجنس الفعل كَكُلّ ولا نعرف إختيار الكلمات المناسبة .
بالطبع قد يبدو لنا تفسير العلاقة الجنسية بصراحة لطفل صغير مسألة في غاية الصعوبة ولكن هذا ليس عموماً ما يرغب في معرفته. فهو يكتفي عادةً بإجابات بسيطة عن أسئلة بسيطة من دون السعي إلى معرفة التفاصيل الكاملة للعلاقات الجنسية.
لكل ولد خصوصيته ويجري نموه وفقاً لوتيرة خاصة به. علينا أن نحرص على عدم كبت أسئلة الطفل، متذرّعين بضرورة الإمتناع عن التحدّث عن أمور مماثلة لأنها مُعيبة أو لأنه أصغر من أن يفهمها. الأسئلة التي يطرحها الطفل، وبالتأكيد الإجابات التي ينتظرها، ليست على درجة كبيرة من التعقيد كما يُخَيّل إلينا. أُسس حياة الطفل العاطفية والجنسية تتكوّن في سنواته الأولى فالإجابة من دون خجل أو وإحراج عن أسئلته تسمح بنقل صورة صحيّة عن الحياة الجنسية إليه وبخلق جو من الثقة بين الأهل والأولاد. الصمت وعدم الإجابة يؤديان إلى شعور بعدم الإرتياح وبالإحراج المتبادل ما قد يُعرقل وصوله مستقبلاً إلى حياة عاطفية وجنسية ناضجة ومُكتملة.
2-3 سنوات
عندما يراوح عمر الطفل، ذكراً أو أنثى، بين سنتين وثلاث سنوات، يراقب الطفل الأطفال الآخرين وتلفت الإختلافات بين جسده وجسد الآخر إنتباهه ويلاحظ الفرق بينه وبين الآخرين. ويحاول النظر إلى والديه وهم عراة ويطرح الأسئلة الآتية:
■ لماذا لدى أمي ثديان؟ لماذا يملك والدي عضواً ذكرياً كبير الحجم؟ لماذا لا تبوّل الفتاة وهي واقفة؟ يتساءل الصبيان الصغار عن عدم وجود عضو ذكري لدى البنات. يمكن الإجابة بأن الفتاة لديها عضو تناسلي أنثوي داخلي في بطنها.
■ يخاف الصبي من أن "يطير" عضوه الذكري أو يختفي. ولمساعدته في التغلّب على هذا الخوف من الخصي، يمكن الأهل طمأنة الطفل بأن عضوه الذكري لن يطير وأن ذلك لن يحصل وأن عضوه مُتّصل بجسده ومُرتبط به. وبالنسبة الى الصبي الصغير الذي يشعر بالقلق بخصوص حجم عضوه الذكري، لما لا نُخبره ونُطمئنه بأن هذا الأخير سيكبر مع مر السنوات وأن حجمه يختلف دائماً من رجل إلى آخر، من دون أن يكون هذا الأمر بالسيء أو الجيد ومن دون أن يكون الحجم بذي أهمية.
■ أما الفتاة الصغيرة فتتساءل لماذا ليس لديها عضو ذكري كأخيها. فإن عدم وجود عضو ظاهر يكون سبب قلق لدى الفتاة في عمر 2-3 سنوات. حينها يجب إخبارها بأن عضوها التناسلي الأنثوي موجود في داخل بطنها ولعلّها أيضاً مناسبة لإطلاعها بأن دور هذا العضو لا ينحصر بالتبوّل فقط وإنما هو أيضاً المكان حيث تنمو بذرة الجنين ومنه يخرج هذا الأخير. وتجدر الإشارة هنا بأنه من غير المجدي إعطاؤها مزيد من التفاصيل في هذه المرحلة.
3-4 سنوات
الأسئلة الشهيرة التي تُطرح عموماً في هذه المرحلة من عمر الأطفال، وتصبح أكثر إلحاحاً في حال حصول حمل لدى الأم:
■ من أين يأتي الأطفال أو كيف يتكوّن الأطفال؟ على الأهل تفادي إختلاق القصص. عندما يطرح الطفل هذا السؤال، فهو ينتظر إجابة حقيقية عن أصل منشأ الجنين. إلا أنه يكتفي بإجابة جزئية على غرار "يكبر الجنين ويخرج من بطن الأم". يعشق الطفل الصغير معرفة كيف ينمو الطفل في بطن الأم ولن يصدم أو يتفاجأ إن أخبرناه بأنه يولد عندما يخرج من مهبل أمه. وهنا تكمن أهمية إستخدام الكلمات والمفردات الصحيحة!
إذا لم يطرح الطفل هذا السؤال، من الأفضل أن نأخذ المبادرة وإلا سيشعر بأنه مُخطئ لأنه لا يعلم أي شيء عندما يسمع أطفالاً آخرين يتحدّثون عن هذا الموضوع في حين لم يتطرّق والداه أبدا إليه أمامه. من المفيد بالنسبة إليه معرفة الحقيقة رويداً رويداً من والديه عن موضوع يُفسّر له كيف جاء إلى هذه الدنيا. الإجابة عن أسئلة طفل في هذا العمر مُهمّة لكي يعرف فقط أن الإنجاب وتكوين الأطفال هو جزء من هذه الحياة. وهو أمر بسيط وطبيعي وليس سراً خطيراً ومريعاً يتساءل عنه إن لم يحصل على إجابة عنه وقد يكون مصدر قلق وخوف له وموضوع هوّامات مرعبة.
يمكن إخباره بكل بساطة، أن وجود أب وأم هو أساس في تكوين طفل. بحيث يقدّم كل منهما بذرة وتمتزج هاتان البذرتان لتكوين بذرة الطفل التي تنمو في بطن الأم. ولأن بذرة الطفل تأتي من الوالدين، يشبه الطفل أمه وأباه.
وغالباً ما تكون هذه الإجابة كافية في مرحلة أولى. ولكن ليس دائماً. إذ لا يلبث الطفل أن يعاود طرح الأسئلة.
■ والسؤال الذي يشغله بعدها: كيف تصل البذرة إلى بطن الأم؟ والإجابة تكون: تتكوّن بذرة الأب في خصيتيه أي الكرتين الموجودتين تحت عضوه الذكري، كما تتكوّن بذرة الأم في مبيضيها وهما كرتان في بطنها. يستخدم الأب عضوه الذكري ليضع بذرته في بطن الأم من خلال عضوها التناسلي الأنثوي وعندها تمتزج البذرتان لإنتاج بذرة الجنين. البنت والصبي، بدورهما، لديهما كل ما يلزم لإنتاج بذرة في المستقبل عندما يكبران.
هناك تفصيل مهم علينا أن نحرص على توضيحه للطفل وهو أن البذرة التي نتحدّث عنها لا تشبه بذرة النباتات. فبذرة الرجل تكون سائلاً وهي صغيرة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
■ ويشعر الطفل فعلاً في هذا العمر بالحيرة بخصوص مصدر وأصل وجوده أكثر من إهتمامه بالعمل الجنسي. على الأهل التحدّث في بادئ الأمر عن الجسد وعن الحب. يمكنهما الإجابة أنه عندما يجمع حب قوي شخصين بالغين ويرغبان في إنجاب طفل، يتقرّبان من بعضهما البعض جسدياً خلال عملية يضع الأب من خلالها بذرة صغيرة في بطن الأم... هذا الشرح يساهم في طمأنة الطفل الذي يدرك بهذه الطريقة بأنه مرغوب فيه. يشعر بالأمان والطمأنينة عندما يعرف بأنه محبوب. من الضروري ألا يفكّر بأنه أتى إلى هذه الحياة من طريق الصدفة أو الخطأ.
إذا كنا نفرح لإكتشاف الطفل لأصابع قدميه أو لأذنيه، إلا أننا نشعر بالإحراج عند إستكشافه لأعضائه التناسلية رغم أن نيته تكون بريئة وساذجة: يتعلّم إكتشاف جسده. يكتشف الصبي والفتاة في هذه المرحلة الإستمناء الإرادي. ممارسة الإستمناء شائعة كثيراً في الطفولة. وهي تساهم في تقديم المتعة للطفل وفي طمأنته. على الأهل عدم منعه لأن الحكم على الإستمناء من خلال إشعار الطفل بالذنب أو توبيخه بسبب ممارسته قد يؤدي إلى ربط المتعة بالمحظورات في ذهن الطفل. والتصرّف الأنسب في هذه الحالة يكون في إخبار الطفل بأن هذه المتعة طبيعية ولكنها جزء من الحياة الحميمية الخاصة والحرص على أن لا يفهمها بأنها ضرورة للاختباء، ما يكوّن لديه إنطباع بأن سلوكه سيئ لِكَوْنه مضطراً إلى الإنعزال لممارسته. يمكن التوضيح بأن الإستمناء شخصي كالتبوّل وهناك أماكن مخصصة للقيام به.
ومن الأفضل، وكي لا نخلق محظورات وممنوعات، تفادي الظهور عراة أمام طفل تجاوز الثالثة من العمر. بعض الإحتشام هو في الواقع أمر أساسي إن كنّا نريد عدم التشويش عليه ومضايقته من خلال مشهد مُربك للغاية بالنسبة الى عمره. على الوالدين أيضاً رفض الإنصياع لرغبات الطفل إن حاول لمس ثدي الأم أو عضو الأب الذكري. يمكنهما أن يشرحا له وهما يُبعدان يده، أن هذه المناطق خاصة بكل منهما وأنه يتوجّب عليه أيضاً منع أي شخص آخر من لمس أعضائه التناسلية ويمكنهما الإستفادة من هذه الفرصة لشرح مسألة سفاح القربى الممنوعة على سبيل المثال.
أما بالنسبة الى الألعاب الجنسية، علينا ألا نقلق إن مارس الطفل ألعاب مثل: " الطبيب" أو "الأب والأم" أو "العريس والعروس" أو "بيت بيوت".... فالأطفال يريدون فقط التحقّق من الأمور التي يخيّل إليهم أنهم فهموها. هذه المراقبة المتبادلة ليس فيها ما هو معيب أو يستحقّ الشجب والتوبيخ طالما أن أياً من الأطفال المشاركين لا يشعر بأنه مُجبر على ممارستها.
ولاحقاً نحو السن السادسة، وفي ردة فعل على تفسيرات الأهل حول الإنجاب أو عند رؤية الوالدين يتبادلان القبل، قد يقول الطفل أن هذا "مقرف". ردة الفعل هذه التي تبدو متزمتة ظاهرياً، هي طريقة الطفل في التعبير بأنه يعتبر أن ما يحصل غير عادل لأنه لا يتمتع بالحق في القيام بهذه الأمور. على الأهل الإبتسام للطفل وطمأنته وإخباره بأن هذه الأمور غير مُقرفة وأنها الطريقة التي يُعبّر فيها رجل وإمرأة عن حبهما. وهي أيضاً فرصة مناسبة جديدة للتوضيح بأن سفاح القربى من الممنوعات والمحظورات.
في هذه الفترة من تطوّره النفسي يكون الطفل في مرحلة "الأوديب" phase oedipienne التي تدفعه إلى المطالبة بمكانة ليست له لدى أحد والديه من الجنس الآخر، عليه أن يتعلّم وأن يفهم أنه غير قادر على الزواج من الأب أو الأم أو الأخت أو الأخ أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة وأولادهم وضرورة عدم الخلط بين الأجيال في ما يتعلّق بالجنس. -" قد يبدو لك أن هذا الأمر غير عادل ولكن هكذا تجري الأمور. لا يمكن الزواج من الأب أو الأم. هذا أمر ممنوع. وعندما تكبر، ستختار الشريك، رجلاً أو امرأة، الذي يناسبك. يشكّل هذا التوضيح الصارم أيضاً دفاعاً في اللاوعي عند الطفل في حال وجد نفسه في يوم من الأيام أمام "بيدوفيل" منحرف يحبّ التحرش والإعتداء على الأطفال "pédophile". في فترة إجتياز الطفل المرحلة الأوديبية، على الأهل تذكيره بأن سفاح القربى ممنوع.
والطفلة أيضاً تبدأ في هذه المرحلة من عمرها بين 6 و 10 سنوات بطرح أسئلة عن الدورة الشهرية. من المهم أن يوضح لها الأهل أن جسد الفتاة، ومنذ عمر معين، يتحضّر كل شهر لتكوين جنين ولتصبح إمرأة. لذا طالما لم يُستخدم الغلاف الذي ينمو فيه الجنين، يزول هذا الغشاء ويؤدي طبيعياً إلى نزف بعض الدم. والمحارم الصحية وغيرها من وسائل الحماية تُستعمل لتفادي إتساخ الملابس. وقد يكون تفسير طريقة إستعمال هذه الإكسسوارات نحو سن العاشرة، وسيلة جيدة لتحضير الفتاة لدورتها الشهرية الأولى.
8-12 سنة
الأطفال الأكبر سناً يطرحون أحياناً أسئلة على درجة عالية من الجرأة متعلّقة بالوالدين. وفي هذه الحالة على الأهل التحدث دائماً عن رجل وإمرأة وعدم إستخدام مفردات "أب وأم". يجب أن تبقى الحياة الجنسية للوالدين سرّية وبعيدة المتناول وهذا أمر ضروري لنمو صحيح للطفل.
يتحوّل إهتمام الطفل في هذه المرحلة من عمره إلى الجانب العملي للحياة الجنسية. يبحث عن معلومات عن التكوين الجسدي وعن الإنجاب. تساعده دروسه في علوم الحياة في المدرسة ومراقبته للحيوانات في معرفة المزيد وتحسين معلوماته. ومع ما يطّلعون عليه من خلال وسائل الإعلام والأحاديث في المدرسة والتغييرات التدريجية التي تطرأ على جسمهم، يدرك الفتيان أهمية الحياة الجنسية في حياة البالغين. يتحدّثون في ما بينهم عن الموضوع ويشعرون بمزيد من الإحراج عند التطرّق إليه مع أهاليهم. وهذا أمر طبيعي ولكن من المهم التحدّث معهم عن هذا الأمر من وقت لآخر والتطرّق إلى موضوعات أكثر حساسية على غرار إحترام الآخر، والإغتصاب، والإعتداء الجنسي والأمراض المنقولة جنسياً وغيرها.
في عمر الـ12، تطرأ تغيّرات على الجسد وتبدأ المخاوف التي ترافق مرحلة البلوغ بالظهور. ينمو ثديا الفتاة وقد تبدأ الدورة الشهرية -الطمث- لديها. يتغيّر الفتيان - نبرة الصوت والشعر على الجسد- ويُبدون إهتماماً متزايداً بالجنس الآخر. تميل الفتاة إلى اللجوء إلى والدتها لإطلاعها على أسرارها، ويبحث الصبي عن معلومات لدى أصدقائه... ليست مرحلة عمرية سهلة وقد تكون هذه التغييرات مصدر قلق لدى الفتاة والصبي. على الوالدين الإستماع دائماً إلى أولادهم والإجابة بوضوح عن أسئلتهم من دون التسرّع أو ترهيبهم. من الضروري المحافظة على إحترام حميميتهم.
لا حياء في التربية الجنسية! يقوم نمو الطفل النفسي ومستقبل حياته على ما يتعلّمه عن حياته الجنسية في سنواته الأولى.
[email protected]