"التطور المثير للاهتمام الذي يعكس المأزق العميق للرئيس بشار الأسد هو أن الأسد أدرك أنه يحتاج الى مساندة أعدائه وخصومه ودعمهم له وليس فقط الى دعم حلفائه الروس والايرانيين من أجل انهاء الحرب ووقف عملية التدمير الواسعة النطاق لسوريا وإنجاز اتفاق سياسي لحل الأزمة. فقد عرض الأسد صفقة غريبة على أعدائه الأساسيين أي على الأميركيين وحلفائهم، في تصريحاته العلنية الأخيرة وفي اتصالاته المباشرة وغير المباشرة مع جهات دولية وإقليمية معنية بهذه القضية، يطلب فيها دعمهم له وضمان بقائه في السلطة في مقابل استعداده لوقف القتال وحل الأزمة سياسياً". هكذا اختصر مسؤول دولي بارز في باريس مطلع مباشرة على الاتصالات السورية – الدولية – الاقليمية حقيقة موقف الأسد القائم على انكار الحقائق والوقائع وعلى محاولة إقناع خصومه بأنه هو المنتصر وأنه على هذا الأساس يفتح باب الحوار ومحاولة التفاهم مع الدول الغربية والاقليمية المطالبة برحيله. وقال المسؤول الدولي إن الصفقة التي يعرضها الأسد على أميركا والدول الحليفة لها تتضمن العناصر والنقاط الأساسية الآتية:
أولاً، يطلب الأسد وقف الجهود الديبلوماسية الدولية المستندة الى قرارات مجلس الأمن والمطالبة بحل سياسي للأزمة السورية يتضمن نقل السلطة الى نظام جديد تعددي، والتركيز في المقابل على التعامل مباشرة مع الرئيس السوري والتفاهم معه على شروط الحل السياسي وإنهاء الأزمة وقبول بقائه في السلطة والحفاظ على نظامه.
ثانياً، يطلب الأسد التعاون معه من أجل إلغاء المعارضة المسلحة أو دفعها الى الاستسلام له من طريق وقف الدعم العسكري لها واقفال الحدود أمامها لمنع وصول الأسلحة إليها. وقد فشلت روسيا وإيران في القضاء على المعارضة المسلحة بالتعاون مع النظام والأسد يطلب من الدول الداعمة لها تنفيذ هذه المهمة.
ثالثاً، يطلب الأسد من أميركا وحلفائها التوقف عن الدعم السياسي والديبلوماسي للمعارضة السورية المعتدلة والتخلي تالياً عن المطالبة بحل سياسي يرتكز على تنفيذ القرارات والتفاهمات الدولية الداعية الى التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة من أجل تشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتصوغ دستوراً جديداً وتجري انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة على أساس الدستور الجديد وفي إشراف الأمم المتحدة. وقد فشل الروس والايرانيون في إنجاز هذه المهمة بالتعاون مع النظام بل أن روسيا متفقة مع أميركا خطياً ورسمياً على ضرورة مشاركة المعارضة المعتدلة في عملية حل الأزمة وقد دعمت قرارات مجلس الأمن هذا الاتفاق.
رابعاً، يطلب الأسد في هذا المعرض رفع الحصار الدولي – الاقليمي عن نظامه وإلغاء العقوبات الاميركية والأوروبية والعربية المفروضة على سوريا والهادفة الى معاقبة النظام على أعماله وممارساته. ويعجز الروس والإيرانيون عن تحقيق هذا الهدف وعن اقناع أميركا والدول الحليفة لها بضرورة رفع الحصار وإلغاء العقوبات.
خامساً، يطلب الأسد إنجاز خطة دولية – إقليمية من أجل إعادة إعمار سوريا تبلغ تكاليفها مئات المليارات من الدولارات وتكريس بقائه في السلطة ورضوخ الدول الغربية والاقليمية المعادية له لشروطه، الأمر الذي يعجز الروس والايرانيون عن تحقيقه في اتصالاتهم مع أميركا وحلفائها.
ولاحظ المسؤول الدولي "أن الأسد يحاول من طريق تقديمه هذا العرض الإفلات من الشروط والقرارات والتفاهمات الدولية التي أنجزها الإيرانيون والروس وتبناها مجلس الأمن في جملة قرارات أبرزها القرار 2254. ويعتقد الأسد أنه يستطيع إسقاط العملية الديبلوماسية الدولية التي يقودها المبعوث الأممي الى سوريا ستافان دو ميستورا والعودة الى مرحلة ما قبل الثورة الشعبية".
وأضاف المسؤول الدولي: "يبدو واضحاً أن الحل الأسدي للنزاع يتناقض كلياً مع الحل الدولي المدعوم من مجلس الأمن. لكن الرئيس السوري عاجز عن تحقيق الحل الذي يتمسك به ويطرحه في عرضه المقدم الى أميركا وحلفائها. ذلك أن الصراع الحقيقي ليس بين الأسد والمعارضة فحسب أو بين الأسد وشعبه المحتج بل بين الأسد والغالبية العظمى من الدول المؤثرة المعنية بالنزاع السوري. هذا العرض يعكس في الواقع مأزق الأسد ومأزق حلفائه اذ ان الرئيس السوري عاجز عن وقف الحرب بقرار منه ومن روسيا وإيران بطريقة تحقق مطالبه وأهدافه، وهو عاجز مع حلفائه عن حسم الصراع لمصلحته، وغير قادر على مواجهة الدول المؤثرة المعادية له والمتمسكة بضرورة رحيله وتغيير نظامه وبرفض أي اتصالات معه. وإطالة الحرب لن تبدل هذا الواقع الذي يواجهه الأسد مع حلفائه داخلياً واقليمياً ودولياً".
[email protected]