أتاح الخلاف الشديد الذي نشب بين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعالون، الذي غادر منصبه في الوزارة ليحل مكانه أفيغودور ليبرمان، قبل أن يتخلى عن عضويته في الكنيست ويعلن انسحابه من الحياة السياسية مؤقتاً، الفرصة للحاخام اليميني المتطرف يهودا غيليك ليحل مكانه عضواً في الكنيست الإسرائيلي، ويحقق حلمه الذي كان يتطلع إليه، وكأنه كان على موعدٍ مع هذه الاستقالة الذهبية، ليدخل من خلالها إلى الكنيست عضواً مسلحاً بالحصانة، ومتمتعاً بالامتيازات، وعنده نسبة من الحماية، تخوله القيام بنفسه بما يريد، وهو الذي كان يحتمي بالوزراء والنواب، ويطلب منهم تسهيل مهامه في اقتحام الحرم القدسي الشريف، وعقد الاجتماعات في ساحاته والصلاة في باحاته، فها هو اليوم قد أصبح نائباً يحتاج الائتلاف الحاكم إل صوته، ويخشى رئيسه من غضبه.
يبدو أن هذا الحاخام الصهيوني اليميني المتطرف لن يتعلم مما يجري حوله، ولن يستفيد من تجارب غيره، كما لن يأخذ العبرة من نفسه، ولن يردعه ما أصابه وما لحق به، ولن يتخلى عن أحلامه وخزعبلاته، وسيبقى يخرب ويفسد، ويخطط ويتآمر، ويحاول المساس بالمسجد الأقصى وتدنيس مقدساته، والإساءة إلى مشاعر العرب والمسلمين بزياراته المتكررة إلى صحن المسجد وباحاته، ومعه جمهورٌ من المتدينين اليهود الذين يؤيدون فكره، ويشجعونه على أفعاله، ويطالبونه بالمزيد منها، وهو يعتقد أن الفرصة قد أتته على صحنٍ من ذهبٍ، وأنه بات قادراً من خلال صفته الجديدة أن يحقق ما يريد بحماية جنود الجيش وعناصر الشرطة الإسرائيلية، وهو بالتالي سيمضي قدماً، وسينفذ بلا تأخير أو ترددٍ، وسيستفيد كثيراً من إحساسه بالقوة.
يعتقد غيليك أنه حصل من محاولة الاغتيال التي تعرض لها فجرح ولم يقتل، على الضوء الأخضر الدائم للمضي في مخططاته ومواصلة محاولاته المتطرفة تجاه القدس وسكانها العرب، والمسجد الأقصى ومكانته الدينية والتاريخية لدى المسلمين والمسيحيين على السواء، ويعتقد أن القدس والهيكل الثالث بالنسبة لليهود تستحق التضحية والمغامرة، والمجازفة والمحاولة، وأن فرص النجاح مع المحاولات تتزايد، وأن إمكانية الوصول إلى الهدف وهو تدمير المسجد الأقصى أو هدمه باتت ممكنة ومتقبلة، خاصةً أنه أصبح يتمتع بحصانة برلمانية تمكنه من فعل الكثير، وتساعده على المبادرة الآمنة، والمحاولة الدائمة.
فهو يقول بوضوحٍ وبصوتٍ عالي لمؤيديه ولرجال السياسة في كيانه أن "اقتحام المسجد الأقصى بات مألوفاً لدى المسلمين"، ولم يعد مستبعداً عندهم أو مستحيلاً، بقدر ما أصبح ممكناً ومتوقعاً، ولهذا فهو يدعو مواطنيه اليهود إلى الدخول إلى ساحات المسجد الأقصى، وعدم الاستجابة إلى طلبات الشرطة التي تحاول منعهم، وعدم الإصغاء والانصياع إلى تعليمات الحكومة التي تصدر أحياناً بعض القرارات التي تمنع أو تنظم عمليات دخول اليهود إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه.
أما بالنسبة إلى ممانعة الفلسطينيين ورباط المصلين والمصليات في المسجد الأقصى وباحاته، فهو يراها جريمة كبيرة يقترفها الفلسطينيون في حق اليهود، وأنهم برباطهم "العنيف" يحرمون اليهود من حقهم في ممارسة طقوسهم الدينية في أهم "معبدٍ" بالنسبة لهم عبر تاريخهم اليهودي القديم، إذ لا يحفظ التاريخ لهم بزعمه مكاناً أكثر قداسةً وأكثر أهميةً من "جبل الهيكل"، الذي طال "غيابه" عنهم، وقد آن زمان استعادته والصلاة فيه، وبهذا فهو يدعو حكومة كيانه ونواب "شعبه" الذي بات واحداً منهم، إلى ضرورة العمل التنفيذي والتشريعي لمباشرة استعادة "جبل الهيكل"، واستعجال الخطوات التي من شأنها عودة المعبد إلى "شعب إسرائيل"، وتحقيق "وعد الرب" لهم.
يُسر يهودا غيليك إلى مريديه الذين يؤمنون بأفكاره، ويسعون لتحقيقها، أن المعوقات المادية والمعنوية والنفسية التي كانت تعترضهم قديماً أصبحت أقل، وأنه لا يوجد موانع حقيقية تمنعهم من محاولات الانتقام، فالفلسطينيون قد اعتادوا على الأمر، وباتوا يتقبلون التغيير وإن عارضوه شكلاً، أو انتفضوا ضده فترةً، وممانعتهم مهما بلغت حدتها وقوتها فهي لن تحد من حقيقة أنهم يملكون السلطة للتنفيذ وفرض الإرادة، وأن المجتمع الدولي بات ينصت لهم ويصغي إلى حجتهم، ويؤمن بروايتهم ويتضامن معهم في مشاريعهم وأحلامهم، خاصةً تلك التي تعلق بالموروثات الدينية، ويعتقد غيليك أنه أصبح بإمكان الجمهور الإسرائيلي الاعتماد عليه وعلى أمثاله أكثر من قبل، بعد أن حظي بمقعدٍ في الكنيست.
ولا يخفي الحاخام غيليك أن العرب والمسلمين مهمومون في شأنٍ آخر، وتشغلهم عن القدس مصالحهم ومشاكلهم، وعندهم من الهموم والتحديات ما يمنعهم عن الانشغال في أي أمرٍ آخر، ولو كانت القدس نفسها والمسجد الأقصى، ويضيف مؤكداً قناعاته أن من بين الدول العربية والإسلامية من يؤيد حق "الشعب اليهودي"، ويرفض مبدأ الاستئثار الإسلامي، وهناك من يسكت عن المحاولات اليهودية ويرفض أن تقوم الشعوب بالتظاهر رفضاً أو الاحتجاج غضباً، الأمر الذي يجعل من مهمة جيل الهيكل الثالث الذي يتقدمه بنفسه ويتزعمه ويتصدره بأفكاره، أسهل وأقرب احتمالاً إلى التحقق والنجاح.
أبدي يهودا غيليك سعادته البالغة إزاء قرار حكومته الأخير بإخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وحلها وحظر الانتساب إليها والعمل تحت إطارها، ويرى أن هذا القرار صائبٌ وحكيم، فقد قلل كثيراً من الاحتجاجات الفلسطينية، ومنع استخدام حقوق المواطنة الإسرائيلية في التصدي "للحق اليهودي" في جبل الهيكل، وإن المزيد من هذه القرارات بهذا الاتجاه، وخاصةً تلك التي تطال رئيس الحركة الإسلامية وأقطابها القيادية، من شأنها أن تساعد اليهود في مشروعهم، وأن تعجل في وصولهم إلى أهدافهم.
ويبدي غيليك فرحه الكبير وهو يرى صور العرب والمسلمين وهم يقفون على جوانب البوابات المؤدية إلى باحات المسجد الأقصى، وهم يتفرجون على اليهود الذين يقتحمون المسجد، ويرى أن الشرطة الإسرائيلية باتت تلعب دوراً أكثر أهميةً وعقلانيةً، عندما تتصدى بقوةٍ لظاهرة المرابطين والمرابطات في المسجد، وأن قرارات الاعتقال والاستدعاء ومنع الدخول إلى المسجد، تساعد اليهود كثيراً، وتزيل العقبات التي كانت تعترض طريقهم، أو تلك التي كانت تسبب اضطراباً أمام مشاريعهم.
ليت العرب والمسلمون يصغون جيداً إلى هذا المجنون الأبله، والحاخام المتطرف الأهوج، فهو يهذي بجنون، ويخرف بلا عقل، ولكنه يكشف عن كثيرٍ من الحقائق، ويعبر عن عميق الأهداف والغايات، وهو اليوم منتشي بالمنصب، ومخمورٌ بالصفة، ولكنه يدري ما يعمل، ويعقل ما يقول.
[email protected]