تحليل ووجهة نظر ومع الزمن الماضي ونحو الحاضر ضيعاتنا وقرانا تنمو وتكبر، كما النبات والشجر المغروس ليعلو ويكبر، فكان من بقايانا تراث وتاريخ، فلكلور عالق من عادات وتقاليد جميلة التسمية واللفظ، بدأت القرى في السن تكبر وبعدد السكان تكثر، ومع الازدياد صارت قرنا مدنا وأجمل، ولكن الكبر نموا سكانيا مبارك، والعكس من الكبر كثافة السكان والاشكالات تعلو وتكثر. ازدياد طبيعي في العداد والمشاكل تزداد في الحالتين إيجابا وأفضل، وبالمقابل سلب المستعصيات هي حمل ثقيل تنوء الرجال تحت الأعباء منه، أحيانا بالحل وتارة بالرضوخ لوضع الضياع والانفلات العجيب غير المحبب والأعسر.
فبعد تلك المقدمة القصيرة لا بد من الشرح والاسهاب عن موضوع الوساطة بين الناس، من منطلق انتشار الخلافات المستعصية بين السكان، وهي نتيجة حتمية ونسبية لما هو من ازدياد بحجم السكان، قياسا مع ماض قبل أكثر من 30 عام او أكبر. فبكل الطرق العربية منهجا ومسلكا عملنا لرأب ذات البين بين الامة الواحدة ، لتنقية الأجواء من عنف مستشر وقاتل، فكان في البداية خلافات معهودة بين الجار لجاره والصديق لصديقه وحتى بين الاخوة واقرب الناس لبعضها ، تتخاصم على الأرض والحدود وخلاف الأطفال ، وعلى ما يبدو ان تربيتنا كانت منذ ان ولدت خاطئة في سياق النهج السليم لردع تلك المشاهد من الصراعات الأولية ، التي نمت وكبرت بكبر حجم السكان ، صارت صراعات بموديل اكثر حداثة في التعدي على خصوصيات الغير ، قوة وانتزاعا لحقوق ملكية شخصية، واعتداء على الذات من منطلق انا الأقوى فباستطاعتي ان اتغلب واحصل على مبتغاي؟!. شيوع تلك الظاهرة تفرع ، وتعدى الحدود الطبيعية، الى ان وصل اوج مستويات العنف السلبي المرفوض، وأدى في حالات عدة ومتنوعة للقتل المجحف الذي يرفضه الدين والإنسانية والبشر، ومن هنا بدأنا نفتش عن آليات قديمة جديدة، نخلطها ببعض حتى نخرج منها زبدة الخلاصة النهائية لحل أي مشكلة او جريمة في قرانا ومدننا العربية مع المزيد من الأسف؟!،
واستمرارا لدورات متعددة من قبل الهيئات وتدخلات من قبل السلطات القانونية، بقيت تلك الظواهر المؤسفة غير متوقفة او النجاح في قطع دابرها!! لا بل ازدادت وانتشرت وتحدت الواقع المجتمعي، وحدود المنطق والمعقول بين تعاليم البشر والإنسانية المتعارف عليها. القانون الدولي الذي يطالب بحماية حقوق الانسان، لهو الحرف الأول حماية والتعبير دراية، واللفظ تفوها، والتدوين معاهدات، يشكل في النهاية لا يحمي ما يقول اطلاقا، والعنف الحاصل في الدول الأوروبية والحاصل شرقا اوسطيا وعالميا قائم ودائم ونافذ، دون حلول ترضي الانسان والبشر؟! وكل هذا من منطلق ان الدول بسن القوانين محليا وعالميا تمنع وتستنكر القتل والعنف بكل انواعه، ولكن قاعدة القوي ما زالت مهيمنة على الضعيف وحتى اليوم في القرن الماءة وواحد وعشرون؟! شيء ملفت للنظر قياسا من التطور النوعي ثقافة ومكننة وتكنولوجيا في عالمنا المتحضر، ناهيك عن الأماكن النائية البعيدة عن الحضارة التي نعهدها، ولها قوانين من الهامها؟! الا ان تلك الشريحة متمسكة بأعراف صلح عشائرية تمكن من السيطرة على الانفلات الحاصل في العالم المتحضر؟! ومن هنا لا بد وان ندمج بين الوساطة لحل الخلافات القائمة وبين الصلح والصلحة والمحكمين، والوصول الى قوانين تلزم الأطراف تمهيدا لحلول عصرية تخفف من كثرة العنف الدائر في أرقي المجتمعات، نحن نعي ان المشاكل جمة بنوعيتها والتي يمكننا السيطرة وحل البعض منها، وأخرى مستعصية دون الحلول، وهنا يأتي دورنا في وضع التفتيش عن البدائل الكفيلة في خلق الحلول واستئصال المرض العنيف الذي بات يهدد كياننا البشري من حملة السلاح المرخص وغير المرخص، الذي هو بحد ذاته مصدر عنف يقتل الأبرياء؟!. الدولة برئاستها وبحكومتها ووزاراتها تتحمل القسم الأكبر من هذا الانفلات، بحالة لم يكن عندها خطط اقتصادية وثقافية وصحية وعلمية وعمليه، للحفاظ على حق المواطن في الاستقرار من خلال وجود العمل المشرف، والذي هو جزء حتمي من واقع اليم، يتفشى بين شباب في دوامة وتيه مستقبلي ؟! سيصنع منه ضياع وانفلات في أمور العربدة والسكر والسرقة والمخدرات، وهذا حاصل وموجود ؟!!
فبالعلاج التنظيمي الأول في المقام، وبتحملنا سويا عب التقاسم في التربية والتعليم والاحتضان السليم، سيكون جانبا هاما في تخفيض نسبة العنف، مع ادخال مراكز الوساطة في تنظيم دورات ارشادية تعليمية، لتوجيه الضالين او المتخاصمين على كيفية بناء الوساطة او الصلح بين الأطراف، وبالطبع دون اضعاف او تقوية طرف على اخر. التوجه الى القانون حين وقوع المشاكل الحاصلة بين الطرفين، وحتى لو حكم طرف على اخر بفعلته، فلن يكون القرار الفصل النهائي وتبيض القضية في الصفاء والنقاء والتفاهم، مما يؤدي لاحقا الى العودة لنفس الخصام مجددا؟!فمركز الوساطة من واجبه ان يحضر مختصين من خلال دورات تأهيل حتى يتسنى لهم حرفية المهنة في الوساطة بين الناس، وقبل الذهاب للمحاكم ان نرتب الأمر. وعليه اقتراحي ان يكون مركز الوساطة والصلح بيتا دافئا ذي قاعدة متينة تتبناه البلديات كمدرسة وسائل وبدائل وتعليم حرفي ليساعد على الهدوء والاستقرار في مجتمعاتنا، بقدر العنف الحاصل فيها، على امل ان يكون محكمة صلح ميدانية تقبل الحلول في تلك المراكز بمصادقة محاكم الصلح عليها. وحتى نلتقيكم في حلقات أخرى مؤكدة على التخفيض من عنف مجتمعنا، يدا بيد نبني مجتمعاتنا نحو جيل ومستقبل أفضل. اللهم أنى قد بلغت. وان كنت على خطأ فيصححوني.
[email protected]