يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل أن خلال العام الدراسي، يجب أن تكون للأطفال مواقيت نوم محدّدة، ذلك أن النوم هو الضمانة لمزاج جيد طوال اليوم، وبالتالي يعزّز تركيز التلميذ في الصف فيتحسن أداؤه المدرسي. وفي المقابل، قد يتساهل الأهل في مواقيت ساعة نوم أطفالهم أيام الإجازات أو خلال العطلة الأسبوعية، ويختلف الأمر خلال الأسبوع المدرسي.
ولكن هل يعرف الأهل ساعات النوم التي يحتاجها الطفل؟ في ما يأتي بعض البيانات التي من شأنها أن تسمح للأهل بضبط مواقيت ساعات النوم المثالية بالنسبة إلى أبنائهم وفق سنّهم.
- من سنتين إلى 6 سنوات، من المهم أن يحصل الطفل من 10 إلى 13 ساعة نوم.
- من 7 إلى 12 سنة الحد الأدنى عشر ساعات وهي ضرورية للطفل ليكون في مزاج جيد وبصحة جيدة.
- من 13 إلى 16 سنة، يحتاج المراهق من 9 إلى 12 ساعة نوم كل ليلة.
وفقاً لهذه التحديدات وإذا عرفت الأم أن طفلها يحتاج إلى 10 ساعات نوم، فمن المهم عدم إرساله إلى الفراش في وقت متأخر جدًا، ولكن ليس في وقت مبكر للغاية.
فإذا كانت تطلب من طفلها الذهاب إلى الفراش في الساعة السابعة والنصف مثلاً، عليها أن تعرف أنه سوف يستيقظ عند الساعة 5:30 صباحًا... وبالتالي ستستيقظ هي أيضاً! لذا عليها تحديد ساعة استيقاظها التي تتزامن مع ساعة استيقاظ طفلها.
إضافة إلى معرفة ساعات النوم التي يحتاجها كل طفل وفق سنّه، يجب تحديد ساعة النوم تبعًا لطقوس المساء، فإذا كانت العائلة تتناول العشاء في ساعة متأخرة، على الأم أن تمنح طفلها وقتًا لكي يهضم ما تناوله، فمن المهم أن يكون هناك فارق ساعة، بين تناول العشاء وموعد النوم.
وفقاً للروتين المنزلي
الالتزام بروتين قبل النوم لا يقل أهمية عن الالتزام بإنهاء الواجبات. لذا وقبل وقت النوم المقرّر، على الوالدين أن يجعلاه وقتًا ممتعًا مع الأطفال في محيط هادئ. كأن يخصّصاه لقراءة قصة، ومناقشتها، وكتابة رسائل متبادلة قبل النوم مثلاً، كأن يكتب الطفل رسالة إلى والدته قبل أن ينام، فتردّ عليه والدته برسالة يقرأها عند صباح اليوم التالي.
ومن المسائل التي يجدر تجنبها قبل النوم، جعل الطفل يبذل مجهودًا فكريًا. مثلاً تجنيب إلزام الطفل القيام بوظيفته المدرسية، فهو متعب جدًا لبذل المزيد من الجهد الفكري، فضلاً عن أن انجاز الواجب المدرسي قبل النوم يجعل الدماغ في وضع متأهب إذا لم ينجز التلميذ فروضه في شكل جيد.
وللأسباب نفسها، يجب تجنب ألعاب الفيديو ومشاهدة البرامج التلفزيونية. فيما الاستحمام قبل وقت النوم وسيلة جيدة ليشعر الطفل بالاسترخاء والنوم بشكل عميق. روتين وقت النوم يجب أن يكون ثابتًا، وكذلك وقت الاستيقاظ.
ماما، أنا لا أريد أن أنام!
بعدما يحدّد روتين النوم، هناك تفاصيل أخرى... الطفل لا يريد النوم؟ ماذا تفعل الأم؟
أولاً، الأطفال لا ينامون لأسباب كثيرة ومختلفة. بداية على الأم محاولة فهم ما اذا كان ابنها لا يريد أن ينام أو لا يستطيع النوم وتحديد السبب. إذا كان يخاف، عليها طمأنته.
أما إذا كان يشعر بأنه لا يستطيع النوم، ربما سيكون من الأفضل منع تناول الحلوى بعد العشاء أو تقليص فترة القيلولة خلال النهار في حال كان الطفل يأخذ قيلولة. في العادة يشعر الطفل بالطمأنينة عندما يتوقّع ساعة الذهاب إلى الفراش ليغوص في عالم من الأحلام.
وقراءة قصة قبل النوم تساعده على الاسترخاء، ومع مرور الوقت، سوف تلاحظ الأم أنه هو من يبادر الى القراءة وحده قبل النوم، وبذلك تعوّد الأم طفلها على القراءة، وبالتالي تصيب عصفورين بحجر واحد.
يمكن الأم أيضًا ممارسة تمارين الاسترخاء مع الطفل أو إسماعه موسيقى هادئة. في البداية سوف تواجه صعوبة، ولكن تدريجًا سيعتاد الطفل الذهاب إلى الفراش في الوقت المحدّد. وعندما ينهي واجباته المدرسية ويقوم بالنشاطات اللاصفية ويمارس الرياضية، سوف يشعر بالتعب، وبالتالي سينام في الوقت المحدّد.
ولكن ماذا عن الطفل الذي يرفض الذهاب وحده إلى الفراش ويطلب من والدته أن تنام إلى جانبه؟
غالبًا الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى الفراش وحدهم تكون لديهم مشكلة قلق الانفصال. فبعض الأطفال يشعرون بأن الوقت الذي يمضونه مع والديهما غير كافٍ، خصوصًا الأم إذا كانت موظفة، فيشعرون بأنهم يريدون تمضية المزيد من الوقت مع والدتهم أو والدهم، وبالتالي يرفضون النوم وحدهم لأنهم يخشون الانفصال عن أهلهم، فتمسك الطفل بأن تنام والدته إلى جانبه يشعره بالاطمئنان، وأنها لن تغيب عنه.
لذا ولمعرفة ما إذا كان الطفل يريد أن يؤخر ساعة نومه ليبقى وقتًا أطول مع والدته، وفقًا لعلم النفس، على الوالدين أن يسألا نفسيهما هل أمضيا وقتًا كافيًا مع ابنهما أو ابنتهما؟ هل كانا حقًا حاضرين؟ إذ يحتاج الأطفال إلى أن يكرس الأهل وقتًا لهم، فأحيانًا يكون الأهل حاضرين جسديًا وغائبين معنويًا، مثلاً يأتي الوالد ويمضي الأمسية في مشاهدة الأخبار، أو قراءة بريده الإلكتروني... أو تمضي الأم الأمسية في انهاء الواجبات المنزلية في حين الأبناء يجلسون شبه وحيدين، إما يلعبون على الآيباد أو يشاهدون برنامجًا تلفزيونيًا. فيما الطفل وحتى المراهق يحتاج إلى أن يتحدث إليه والداه ويناقشاه في يومياته.
وهذا يتطلب من الأهل عدم التحدث على الهاتف أو النظر في الرسائل الإلكترونية، والتركيز على العلاقة وتبادل الأحاديث مع الأبناء.
وفي المقابل، هناك أهل يعانون هم أنفسهم من قلق الانفصال، ويجدون أن انفصال أطفالهم عنهم مؤلم، خصوصًا أولئك الذين يشعرون بالذنب لغيابهم عن أبنائهم بعد عودتهم من المدرسة، وكذلك أولئك الذين عانوا مشكلة الانفصال عندما كانوا في سن أبنائهم، فيجدون أن مرافقة أبنائهم إلى الفراش والنوم إلى جانبهم يمثلان تعويضًا عما كانوا يشعرون به عندما كانوا أطفالاً.
وماذا عن الطفل الذي يقول لا أريد أن أنام وحدي أخاف من العتمة؟
يظهر الخوف من العتمة عند الطفل في سن الثانية متزامنًا مع نمو الطفل النفسي وتطور مخيلته، وهذه السن التي تظهر فيها المشاعر المتناقضة عند الطفل تجاه الشخص نفسه «أنا أحب ماما، ولكنني أكرهها عندما تصرخ في وجهي».
وعندما يكون وحده في غرفته المظلمة، في مواجهة أفكاره، يدخل في أصداء حياته الداخلية، وهذا يشعره بالخوف، ذلك أن العواطف مثل الحب أو الكراهية تبدو كثيفة جدًا وتشعره بالذنب، مثلاً كيف له أن يكره والدته! والرهان التربوي ليس في منع هذه الغريزة أو كبتها، وإنما قوننة هذه المشاعر المتناقضة، ومع مرور الوقت، يتعلم الطفل السيطرة على انفعالاته وغرائزه، والخوف من الظلام يتحول إلى خوف من العقاب.
فمثلاً عندما يشعر بالغضب من والدته، يمكن أن يشعر بالذنب، ويعتقد أن الوحش سيأتي ويلتهمه. وبالتالي تشعره العتمة بالاضطهاد فتنتابه مشاعر العدائية تجاه الآخرين أو تجاه نفسه.
ليس هناك من تعليمات وإرشادات محدّدة يمكن طلبها من الأهل، فكل طفل كائن فريد من نوعه. المهم أن يلج الأهل في عالم طفلهم ويعرفوا أسباب قلقه ومخاوفه.
ولكن هل يجوز إجبار الطفل على النوم في العتمة؟
دور الأهل هو تسليح الطفل لمواجهة خوفه وحده، وهذا يحتاج إلى وقت، وخلال ذلك على الأهل إزالة كل ما يمكن أن يسبّب الخوف من العتمة، مثل وضع مصباح ذي ضوء خافت في غرفة نومه، وعدم وضع ألعاب حول السرير، فأحيانًا ظلالها تجعل الطفل يتخيّل أنّ هناك أشباحًا أو وحوشًا في غرفته.
ففي الظلام، ما هو مألوف في النور، يصبح غير مألوف ومخيفًا. في نهاية الأمر يتمكّن معظم الأطفال من مواجهة خوفهم من العتمة وإن استغرق الأمر وقتًا.
ماذا عن ابني الذي يتسلل إلى غرفتي لينام إلى جانبي!
عندما يأتي الطفل كل ليلة لينام في سرير والديه، هناك أسباب كثيرة على الأهل اكتشافها. هل يشعر الطفل بالوحدة في غرفته؟ هل يخاف الظلام؟ هل هو حزين ويحتاج إلى الشعور بالأمان؟ وفي كل الأحوال، فإن من المحتمل أن يكون الطفل يشعر بعدم الأمان.
لذا من المهم التحدث مع الطفل في محاولة لفهم ما يقلقه، ويدفعه لإنهاء ليلته في سرير والديه. فهناك بعض الأهل يسمحون لطفلهم بأن ينام بداية المساء في سريرهم ثم ينقلونه إلى غرفته عندما يغطّ في سبات عميق.
وكأنهم يقولون له إن سريرك غير مريح. في الوقت الذي يجب أن يعتاد الطفل على غرفته، وعلى الأصوات التي يسمعها، ويتأقلم مع ألوانها والأشياء الموجودة فيها.
لذا يشدّد اختصاصيو علم نفس الطفل على الأهل بألا يتهاونوا أحيانًا في السماح لطفلهم بالتسلل إلى سريرهم، فهذا قد يسبب له ارتباكًا ويتساءل: «لمَ سمحوا لي هذه المرّة»؟ بل عليهم الالتزام بالقوانين التي وضعوها مهما كان رد فعل الطفل الذي يحاول دائمًا اختبار قدراتهم على تنفيذها.
ومن الضروري أيضًا أن يشرحوا له أن لهم حياتهم الخاصة المستقلّة عنه، خصوصًا ساعات النوم، فهو في حاجة إلى أن يفهم لمَ ينفصلون عنه ليلاً.
وإذا كان الطفل يخاف من العتمة، يمكن الأم أن تُشعل نورًا خافتًا، وتجلس إلى جانبه على سريره، وتتناقش معه في ما حدث خلال النهار، وتشير إلى ضرورة أن ينام كل فرد من أفراد العائلة في غرفته الخاصة... ينام الأطفال في أسرّتهم في غرف نومهم، وينام الوالدان في سريرهما في غرفتهما.
ماذا عن مشاركة الأبناء غرفة النوم نفسها؟ ألا يؤدي هذا إلى مماطلة ساعة نومهم وتأخيرها؟
فضّل بعض الأبناء بين الثالثة والعاشرة، إذا كانوا في سنّ متقاربة وصغيرة، مشاركة غرفة النوم نفسها، ليشعروا بالأمان، رغم الصراع بينهم. فهم في هذه السن لا يرغبون في الوحدة، بل يسعون إلى الحركة والحيوية، وبالتالي فإنّ مشاركة غرفة النوم نفسها تشعرهم بالراحة والسعادة، خصوصًا إذا كانوا من الجنس نفسه.
صحيح أنهم يماطلون في ساعات نومهم، ولكن مجرد ذهابهم إلى الفراش في ساعة محدّدة، يجعلهم يفهمون معنى الروتين اليومي، وإن لم يغفوا في الساعة المحدّدة. فهم قبل النوم يتبادلون الأحاديث التي تؤدي أحيانًا إلى أن يغفو أحدهم قبل الآخر، لأنهم في الواقع يتهامسون، في الظلمة أو في النور الخافت، وهذا وحده كفيل بجعلهم يشعرون بالنعاس.
ومع ذلك فلمشاركة الأبناء غرفة النوم نفسها حسنات وسيئات في الوقت نفسه.
حسنات مشاركة الأبناء غرفة النوم:
- الشعور بالاطمئنان: ينام الأبناء بشكل أفضل ولا تنتابهم الكوابيس، فالنوم في الغرفة نفسها يشعرهم بالاستئناس، وبالحماية والحضور الدافئ.
- زيادة الألعاب المتوافرة في الغرفة.
- يعلمهم التعايش مع الآخر واحترامه: فوجود الأبناء في غرفة النوم نفسها جنبًا إلى جنب، يسمح لهم بحل خلافاتهم من دون أهلهم... وهم يعيشون معًا، ويتبادلون الأحاديث خلال استلقائهم في أسرّتهم وقد يتشاجرون أو يتخاصمون وتدريجًا يتعلّمون كيفية احترام بعضهم بعضًا. صحيح أن المشاحنات والمشاجرات لا تختفي، ولكنها تتقلص.
- تسمح لهم بالحصول على مكان خاص بهم: مكان ممنوع على الراشدين الدخول إليه.
- يصل الأكبر سنًا إلى قلب أخيه: وفقًا للأخ الأصغر، فإن شقيقه يعلم أشياء أكثر منه، فيما الأكبر سنًا يعطف أكثر على شقيقه ويرى أن عليه حمايته. يخاف بعض الآباء من تقاسم الإخوة من جنس مختلف الغرفة نفسها. ولكن الانفصال سوف يصبح تلقائيًا عندما يبدأ البكر بمرحلة المراهقة.
أما سلبيات مشاركة الأبناء الغرفة نفسها فهي:
- يعيق انفتاحهم: إرغام الأبناء على مشاركة الغرفة نفسها فيما يرغب كل واحد منهم أن تكون له غرفته الخاصة، يعيق انفتاحهم. فعندما يصبح البكر في سن المراهقة، يشعر بأنه في حاجة لأن تكون لديه مساحته الخاصة به، وغرفة نومه الخاصة، وهذا طبيعي في هذه المرحلة. لذا على الأهل أن يحترموا رغبته بمرونة، ويعملوا على ذلك.
- الشعور بالغيرة: الحذر من أن يتشارك ثلاثة أبناء الغرفة نفسها، إذ قد يشعر الابن الثالث بالغيرة من شقيقيه، خصوصًا إذا كانا أكبر منه سنًا. مثلاً عندما يتحادثان قبل الغط في النوم عن يومهما، ويستهزآن بالصغير عندما يحاول مشاركتهما الحديث.
الشعور بالسلطة أو التسلط: لا يجوز أن يشعر الأخ الأكبر بأنه مسؤول عن شقيقه الأصغر، فوجودهمافي الغرفة نفسها لا يعني أن على البكر القيام بدور الأم أو الأب، فبعض الأبناء البكر يلعبون دورالسلطة في غرفة النوم، فيترصدون أشقاءهم الأصغر ويمنعونهم من القيام بالكثير من الأمور. وأحيانًاقد يحدث العكس، فقد يضع الأصغر سنًا نفسه في موقف الشرطي أو الجاسوس الذي يراقبشقيقه الأكبر. لذا يجدر بالأهل التحدث إلى الشقيقين ووضع الأمور في نصابها.
[email protected]