منذ تدهور العلاقة بين حركتي فتح وحماس، في أعقاب تولي حماس تشكيل الحكومة، بناءً على فوزها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت أوائل عام 2006، أقامت جهات عربية رسمية، وفصائلية وشعبية محلية، ورشات عمل مكثّفة، تحت العنوان الكبير، المصالحة الوطنية.
وتكررت هي نفسها وبأحجام مضاعفة، بعد حالة الانقسام الكبرى بين الحركتين، والتي منحت حماس السيطرة على قطاع غزة، بعد جولة قتال دامية منتصف 2007، بزيادة عبارات إعادة اللحمة وإنهاء الانقسام، باعتبارها إحدى الوسائل الناجعة لتحقيق استراتيجية فلسطينية وطنية مستدامة، ولمنع تدهور أوضاع القضية الفلسطينية أكثر مما وصلت إليه.
وبرغم كثافة هذه الورشات وأثقالها الواضحة، والتي تم عقدها لدى مدن وعواصم عربية مؤثرة، وأسفرت للوهلة الأولى، عن اتفاقات وُصفت بالجيّدة، وتم تسجيلها في الأوراق الرسمية، وأهمها (اتفاق الطائف، اتفاق القاهرة، اتفاقية الدوحة، اتفاق الشاطئ)، إلاّ أنها لم تسفر عن أيّة تطبيقات إيجابية يمكن مشاهدتها في الميدان، لا في الزمان ولا في المكان، حتى برغم مرور عشر سنوات تقريباً على حصول الأزمة كأزمة وجود وحُكم.
في كل جولة، كان الكثيرون من الخبراء والمراقبين - وكانوا دوماً على حق- يُقللون من جدوى أي اتفاق وحتى في حال حصول نتائج، وذلك بسبب بُعد الجانبين عن بعضهما، فكراً وثقافة، وتعلقهما بمبادئ الغزو والانتقام، إضافةً إلى تواجد معيقات كثيرة من بينها التركيز على الحكم والسلطة، وخشية كل منهما على اسمها وتاريخها وإنجازاتها.
فبالرغم من إعلان الجانبين بأن اتفاق الشاطئ الذي تم التوقيع عليه في أبريل/نيسان 2014، هو الأخير لإنهاء الانقسام وعودة اللحمة الفلسطينية، إلاّ أنه كان هو الأسوأ، نتيجة لما ترتب عليه من تراجعات وإجراءات عكسية متبادلة.
وحتى هذه الأثناء، ليس هناك آمال يمكن ذكرها بشأن إمكانية حدوث اتفاقات أخرى وإن (جزئية)، وحتى على الرغم من قيام السلطة الفلسطينية بتقرير إرسال وفد من تنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية، لزيارة قطاع غزة، بهدف إنهاء القطيعة مع حماس - على الأقل- لمواجهة الهجمة الإسرائيلية، الجارية الأن في معظم مناطق الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، ومدينة القدس بشكلٍ خاص، وذلك بالنظر إلى مسارعة حماس إلى إبدائها عدم الترحيب بها، بحجة أن الأولوية يجب أن تكون مُوفّرة لدعم وإسناد الفلسطينيين في مواجهتهم للجرائم الإسرائيلية.
ربما هذه ليست بحجة مقنعة تماماً، ولكن الأكثر قناعة، هو أن لديها ثوابت يتوجب على السلطة احترامها والقبول بها، ولديها مآخذ صارمة، يتوجب عليها أيضاً الانتهاء عنها، خاصة وأنها ترى هذا الوقت، هو المناسب تماماً لتحقيقها، وتتلخص في ضرورة التسليم الذي لا يقبل شكاً ولا جدلاً، بشأن مشاركتها في الحكم والسلطة وكل ما يتفرع منهما.
وتكمن أهم المآخذ فيما يتعلق بسياسة "أبومازن" باعتبارها متماهيةً مع السياسة الإسرائيليّة، وإن باستعداده لاستئناف المفاوضات سريعاً لأن همّه الوحيد هو التوصل الى حلول سياسية بالطرق السلمية فقط، برغم التعنتات الإسرائيلية الماضية والهجمة الحالية الحاصلة، ما يعني قطع الطريق أمام قيام انتفاضة ثالثة، وبأن هناك إمكانية لتقديم تنازلات.
فمجرّد معارضته لقيام انتفاضة جديدة ومكافحته لها، بحجة ضمان حفظ الأمان للوطن والمواطنين، ولتفويت الفرصة على إسرائيل، التي تهدف إلى الوصول إليها لإحراز مكاسب سياسية، - في نظر حماس- هي معارضة في غير محلها، في الوقت الذي تثبت فيه كل الخيارات الأخرى فشلها.
إذاً، وفي ضوء ما سبق، فإن الهبّة الفلسطينية الدائرة، تعتبر نقطة خلافيّة وليست نقطة التقاء، ومن شأنها زيادة حالة الانقسام بين الحركتين، فالسلطة بعمومها، ترى أن مصلحتها العليا، تكمن في احباط أيّه منشآت باتجاه تكوين انتفاضة أو أيّة نشاطات مُشابهة، وتضغط على حماس بهذا الاتجاه، اعتقاداً منها بأنها لا تسعى إليها مطلقاً، بما أنها تطمع في تحقيق هدنة طويلة الأجل مع إسرائيل، سيما وهي تستمر في منع أي جهة من أن تحاول القيام بإطلاق صواريخ من داخل القطاع باتجاه إسرائيل، وإن بحجة عدم نقل الأنظار عن هبّة الأقصى المتصاعدة.
في حين ترى حماس بأن تشغيل انتفاضة وتعميق روحها، هو ضرورة واجبة، باعتبارها تأكيداً جديداً أمام المجتمع الدولي، على تمسّك الشعب الفلسطيني بالمقاومة كحل وحيد للخلاص من الاحتلال، ومن جهةٍ أخرى، فإن سعي إسرائيل في شأن توقفها - في حال حصولها- سوف تكون له أثمان مضاعفة.
[email protected]