كثير من التصرُّفات الخاطئة يرتكبها الآباء والأمَّهات بجهل ودون قصد غير مدركين فداحة تأثيرها، فكثير منهم قد لا يبالون بممارسة أوضاع حميمية أمام أطفالهم بحجَّة أنَّهم مازالوا صغاراً لا يميِّزون، غير مدركين أنَّ العلاقة الحميمية بين الزوجين لها قدسيَّتها وخصوصيَّتها، التي لا يجوز لطرف ثالث أن يدخل فيها مهما كان قربه منهما، أن يكون شاهداً عليها.
والواقع أنَّ تربية الأبناء لا تتم فقط من خلال الوسائل المباشرة الواعية المتمثِّلة بقيام الأب والأم بوضع الحدود والضوابط ومتابعة التزام الأولاد بها وعدم خروجهم عنها، وإنَّما يتم القسط الأكبر من العمليَّة التربويَّة بطريقة لا شعوريَّة إلى حدٍّ كبير، وذلك من خلال أثر الوالدين كنموذج وقدوة لأبنائهما من خلال المعايشة والسلوك اليوميّ.
حيث يوجد لدى الأبناء عموماً ميلاً نفسيّاً عميقاً إلى التشبُّه بوالديهم من خلال الصورة التي تتكوَّن لديهم، ويعتبرون الوالدين مثالاً يحلمون بتحقيقه في نفوسهم عندما يكبرون، وهذه العمليَّة تكون في أحسن أحوالها عندما تكون العلاقة بين الطفل ووالديه دافئة وحميمية وقائمة على الحب، خاصَّة عندما يمضي الأب والأم وقتاً طويلاً مع الطفل، بحيث يرى الطفل والديه في مواقف حياتيَّة متنوِّعة، ويرى كيف يتصرفان، ويلاحظ القيم التي يؤمنان بها والتي تحكم سلوكهما، كما أنَّ أيّ صور سلبيَّة يراها الأطفال تؤدِّي إلى القلق النفسيّ الذي يؤثِّر في تكوين الهويَّة، حيث يعدُّ هذا الأمر من أكبر أسباب الانحراف مستقبلاً.
خصوصية العلاقة بين الزوجين
حول هذا السلوك يقول المستشار الأسريّ والاجتماعيّ عبد الرحمن القراش: "إنَّ العلاقة الحميمية بين الزوج وزوجته تحقق الوحدة، وتعمِّق مفهوم الاندماج والانتماء بأروع وأجمل وسيلة، فقد جرت الحكمة الإلهيَّة أن يترك الزوجين أهليهما ويلتصقان ببعضهما ويكونان جسداً واحداً، لذا فإنَّ العلاقة الحميمية بين الزوجين علاقة لها قدسيَّتها، ولكنَّ المشكلة أنَّ بعض الآباء عندما يرغبان في إقامتها ينظرون لأطفالهم بأنَّهم صغاراً لا يفهمون، وهذه كارثة كبيرة، فمهما كان عمر الطفل خصوصاً من عمر 3- 5 أعوام، فهو يفهم ويدرك عندما يكبر ما حدث بين والديه، ويؤثِّر في نفسه، ناهيك عما يكتسبه من بعض وسائل الإعلام أو التواصل أو من الأصدقاء والمدرسة، لذلك يجب على الزوجين الاحتياط والحذر من ممارسة أيّ مشاعر حميمية أمام الأطفال لسببين هامين، وهما:
أولا: خصوصيَّة هذه العلاقة بين الزوجين، إذ لا يجوز أن يشاهد أحد هذه العلاقة ذات الطبيعة الخاصَّة جداً بين اثنين أصبحا بالزواج جسداً واحداً.
ثانياً: من المعروف أنَّ عقل الطفل وقلبه كآلة التصوير التي إذا طُبعت عليها أيّ صورة من الصُّور، فإنَّها تبقى كما هي إلى نهاية حياته، لتشكِّل كيانه وتتحكَّم في تصرُّفاته، لذا ليس من اللائق أن يرى الطِّفل والديه في وضع جنسيّ".
ويستدرك: "لكن هذا لا يمنع أن يظهر الزوجان مشاعر الحب أمام أولادهما بطرق مختلفة ومتنوِّعة دون أن يكون في الأمر ضرر، وهذه السلوكيَّات تختلف من مجتمع لآخر، ومن أسرة لأخرى، ومنها: السلام، والتقبيل من غير حميمية، والاحتضان، والتدليع بالمناداة، وتقديم الهدايا، والشكر والامتنان، لذا يعتبر إظهار الحب بين الزوجين من أهم المؤثِّرات السلوكيَّة التي تدخل في تربية الأبناء على الحب، وتدريبهم على التعبير عن مشاعر الحب، وخصوصاً عندما يشاهدون مثل هذه الممارسات بين حين وآخر من قِبَل الوالدين".
[email protected]