قد تكون مشكلة عدم التوافق في الميول الجنسية أولى علامات حدوث اختلاف في الميل الجنسي للجنس نفسه، والذي يعرف بالشذوذ الجنسي، وهو من الخطوط الحمراء، والمحظور مناقشتها في الكثير من المجتمعات على مستوى العالم، وليس فقط في المجتمع العربي المسلم، وإنما في كل المجتمعات الإنسانية، وحتى الغربية منها، ولكن بدرجات متفاوتة، لذلك وجدنا من المهم مناقشة هذا الموضوع بطريقة علمية توضح الجوانب المتعلقة بتأثير مثل هذه العلاقات على مستقبل العلاقة الزوجية للأسرة، وهو أحد أهم الأهداف التي يسعى هذا الباب لتحقيقها.
الحالة:
تقول السيدة «ل. ص»: إنها متزوجة منذ فترة طويلة، ولديها ولدان وبنت، وحياتها الزوجية والعاطفية تتسم بالهدوء، ولا تعاني من أي من الأمور التي كثيراً ما تسمع الزوجات يشتكين منها، إلى أن جاء اليوم الذي اكتشفت فيه حقيقة ما يفعله ابنها الأكبر، وكان علامة فارقة في تاريخ العائلة، والتي انقلبت أمورها رأساً على عقب، حين اكتشفت أنه «شاذ جنسياً»، وأخبرها هو بذلك بعد أن ألحت عليه في موضوع الزواج، بعدما قارب الثلاثين من العمر، ولم يبد أي رغبة في الزواج، على الرغم من أن أخاه الأصغر تزوج ولديه طفلة جميلة، وعندما اكتشفت هذا الأمر أخبرت والده بالموضوع، ما جعل الأب يغضب، ويقرر حبس الابن وعدم السماح له بالخروج إلا مع أفراد الأسرة، ومنعه أيضاً من الذهاب إلى عمله، ما جعل الأمور تتأزم في البيت. وانتهى الموقف بخروج الابن من البيت نهائياً، مفضلاً الإقامة في مدينة أخرى بعيدة عن أسرته.
وهنا تسأل السيدة «ل.ص»: ماذا حدث لابني؟ وهل فعلاً قصَّرتُ في تربيته كما يلومني زوجي؟ وكيف أستعيد ابني مرة ثانية من هذا الضياع؟ وهل فعلاً يعتبر هذا السلوك مرضاً؟ وكيف يمكن علاجه؟
الحل:
أختي السائلة، أقدر تماماً ما تشعرين به تجاه ابنك، خاصة وأن الزوج يضع اللوم عليك في عدم الاهتمام بالتربية الصحيحة للابن، وهو بالتأكيد ليس محقاً في هذا الاتهام، فالأمر ليس مرتبطاً بالتربية، وإلا كيف نفسر أن الابن الآخر لا يعاني ما يمر به أخوه؟
الموضوع الذي يجب أن نناقشه بصراحة وصدق هو موضوع اختلاف الميل الجنسي بين الأشخاص في المجتمع، وهو «الشذوذ الجنسي»، أو كما يعرف طبياً بـ«المثلية». وهو أمر سبق مناقشته من زاوية مدى تأثيره على مستقبل العلاقة الزوجية، وهنا سنناقش الأمر من منظور الأسباب المؤدية إلى حدوث مثل هذه الحالة وكيفية التعامل معها:
1- هناك مواقف مختلفة من ناحية النظرة الطبية لمثل هذه الميول، فيما يتعلق بجانب الطب النفسي والصحة النفسية، فبعض الجمعيات المدافعة عن حقوق مثل هذه الفئات ترى أنه أمر طبيعي، وحق يختاره الإنسان، في حين ترى بعض المنظمات الأخرى أنه أمر مخالف للفطرة الإنسانية السوية.
2- من الأسباب التي قد تلعب دوراً في حدوث هذا التفضيل للجنس نفسه:
- غياب صورة الأب في التربية أثناء نمو الطفل، ووجود أم متسلطة.
- تنشئة الطفل في مجتمع يرحب بالمثلية داخل دائرة الأسرة.
- التحرش الجنسي بالأطفال والاعتداء عليهم، والتجربة الجنسية المثلية في مرحلة الطفولة المبكرة.
- عدم الاهتمام ببدايات الميل للجنس نفسه من البداية، والعمل على تعديلها في حينه.
- التعارض بين الممارسة الحياتية والالتزام الديني داخل الأسرة.
3- من الحقائق العلمية التي يجب أن نذكرها أن معظم الأبحاث التي أجريت على مثل هذه الحالات لم تبين وجود أي فرق من ناحية تكوين الجهاز العصبي المركزي أو الطرفي، ووجد أن نسبة كبيرة منهم «56% من الذكور، 86% من الإناث» يتغير السلوك الجنسي لديهم إلى الحالة الطبيعية في مرحلة النضج العمري، كما وجد أن أكثر من 30% يُعَالجون بالعلاج النفسي والسلوكي إذا ما طلبوا والتزموا بذلك.
ونصيحتي لك ولزوجك هنا أن تعملا على احتواء هذا الابن بدلاً من عزله عن الأسرة تماماً، ومساعدته على اللجوء إلى العلاج النفسي المتخصص، إذا طلب ذلك، وهو أمر يحتاج منكما إلى الصبر والمثابرة دون غضب أو لوم أحدكما للآخر.
نصيحة:
نحتاج إلى تعديل أساليب التعامل مع الحالات التي تعتبر من الخطوط الحمراء في مجتمعنا، فهو مجتمع بشري وليس ملائكياً، ومواجهة المشكلة بالأسلوب الصحيح خير من السكوت عنها.
[email protected]