كلمة فصح بالعبرية “بيسح Pesah”، وقد نُقِلَت بلفظها تقريبًا أو بمعناها إلى معظم اللغات. فهي في القبطية واليونانية “بصخة Pascha”، وفي العربية “فصح”، وفي الإنجليزية “Pass-over”.
لهذا العيد أسماء كثيرة أشهرها الفصح والعيد الكبير وعيد القيامة وعيد النصر وعيد المصالحة. كلمة الفصح هي تعريب كلمة “بسحا” العبرية من الفعل “بَسَح” الذي يعني: اجتاز وعبر أو قفز عن الشيء دون أن يلمسه.
في المسيحية تعني هذه الكلمة عبور وانتقال السيد المسيح عليه السلام من الموت إلى الحياة- القيامة. والقيامة هي أساس العقيدة لدى المسيحيين وهو أمجد أعياد المسيحيين لأنه يذكرنا بقيامة المسيح من الموت، و يذكرنا بأنه علينا التمثل به.
الطقوس والتقاليد
تبدأ الطقوس يوم الخميس الذي يسبق يوم الفصح والذي يسمى يوم خميس الأسرار أو يوم خميس “غسل الأرجل” والذي فيه غسل السيد المسيح عليه السلام أرجل تلاميذه، العمل الذي يرمز إلى التواضع (يوحنا 13: 2- 20). في هذا اليوم أيضًا تحل ذكرى الوجبة الأخيرة التي أكلها السيد يسوع المسيح عليه السلام مع تلاميذه قبل صلبه.
يشير يوم الجمعة العظيمة الذي يلي خميس الأسرار إلى صلب السيد المسيح عليه السلام .
الجمعة العظيمة هي ما جمع بيد الرب في هذا اليوم من إيمان و تضحية وتفان و بذل الذات من أجل الآخرين . فكما المسيح علمنا الأيمان بالرب والمعنى الحقيقي للتضحية بالذات، ومات على الصليب لكي يعطينا الحياة الأبدية، علينا جمعياً أخذ العبر وتطبيقها في حياتنا اليومية وهي بأن الرب لا يتركنا فهو دائماً معنا فلا نقول: يا رب أنا عندي مشكلة كبيرة، بل يا مشكلة أنا عندي ربٌ كبير.
يوم السبت الذي يلي يوم الجمعة العظيمة هو سبت النور، في هذا السبت، في ساعات المساء المتأخرة، تبدأ إحتفالات الفصح – إحتفالات انتصار السيد المسيح عليه السلام على الموت. يستمر العيد ثلاثة أيام وفيه مأكولات خاصّة :
البيض المسلوق الملوّن : وهو يرمز إلى القيامة
الكعك على شكل التاج : والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح
المعمول : وهو يرمز إلى الإسفنجة التي أسقوا بواسطتها السيد المسيح عليه السلام وهو على الصليب. (وهناك من يقول بأنه يرمز إلى الصخرة التي وضع عليها الصليب).
يعرف عيد الفصح في التراث الشعبي بـ “عيد فقاس البيض”- كلمة “فقاس” معناها التفقيس أي خروج الصوص من البيضة.
من هنا، هذا العيد في التراث والتقاليد الشعبية، هو عيد خروج الصيصان من البيض. ترمز البيضة إلى القبر (هناك من يرى وجود شبه بين قبر السيد المسيح عليه السلام والبيضة التي تكون جمادا بلا حياة ويخرج منها الفرخ). وتكسير البيضة يرمز إلى قيامة السيد المسيح عليه السلام من القبر.
في هذا العيد، من المألوف صبغ البيض بواسطة أزهار الصفير، أو أوراق البصل اليابس، ولكن إبداع الإنسان أوصله إلى طرق أخرى مثل طبع الأزهار، واستعمال الأصباغ الصناعية غير السامة، وهناك من يقومون بالرسم عليه أو الحفر عليه بواسطة آلات دقيقة، وكل ذلك رمز إلى البهجة بقيامة السيد المسيح عليه السلام. (في كثير من البلدان تقام مباريات (بالذّات بين الأولاد) في فقس البيض: ينقر الواحد ببيضته المسلوقة على بيضة زميله وصاحب البيضة التي تكسر البيضة الثانية يربح البيضة المكسورة).
تأسيس الفصح:
كان عيد الفصح يقع في الرابع عشر مساءً أي في ليلة (ونهار) اليوم الخامس عشر من شهر أبيب، ومعناه “شهر الخضرة”، أو “تكوين السنابل” (خر4:13)، الذي دُعي بعد السبي البابلي “نيسان” (نح1:2). وكان يعقب أكل الفصح مباشرة، سبعة أيام عيد الفطير (خر15:12)، والذي كان يُسمى بالتبعية “الفصح” أيضًا (تث2:16؛ مت17:26؛ مر12:14؛ لو1:22). لأن عيد الفصح يقع في اليوم الأول من عيد الفطير.
وكان كلاهما يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بذكرى الخروج من مصر. وقد كان عيد الفصح هو بداية تقويم جديد لليهود، حيث أصبح لديهم تقويم مدني (شهر تشرين/أكتوبر)، والآخر ديني تبعًا ليوم عيد الفصح.
الرمز:
والرب نفسه هو الذي رسم نظام ذبيحة الفصح بكل دقة وعناية لكي تكون رمزًا وإشارة ونبوءة مصوَّرة بحب عجيب لما سوف يتم في ملء الزمان من ذبح الحمل الإلهي وأكله وسِفْك دمه كفّارة وخلاصًا لكل مَنْ يؤمن به.
وهكذا بدأ استعلان يوم الصليب والخلاص بدم المسيح والإتحاد به، مبكرًا جدًا هناك في “مصر حيث صُلِبَ ربنا أيضًا” (رؤيا8:11).
نعم، هكذا يقول سفر الرؤيا مشيرًا بالروح إلى الفصح الذي تم في مصر كأول إعلان عما أضمره الله القدير في نفسه، الذي حقَّقه أخيرًا في ملء الزمان خارج أبواب أورشليم. لذلك كان خروف الفصح في تفاصيل طقسه يحمل إشارات جليّة للفداء.
ومن ناحية اعتبار عيد الفصح هو بداية تقويم جديد، فهذا كذلك يوضح الأمر الإلهي بأن خلاص الإنسان هو بداية لتاريخه وتحرُّره من عبودية إبليس بتوسط دم الحمل الإلهي.
فبما أن حمل الفصح كان مثالًا للمسيح، فإن مجيء المسيح إلى أرضنا هو الذي أنشأ تقويمًا جديدًا لنا وليس صَلبه. لذلك فإن ميلاد المسيح هو الذي يبدأ به تقويم عهدنا الجديد (التقويم الميلادي)، أما صلبه فكان بعد أن أكمل استعلانه لذاته وأتمّ رسالته متدرجًا في ذلك من يوم ميلاده كطفل إلى أن استعلن مجده كاملًا بالصلب والقيامة. وكأن حياته على الأرض تمثلها دورة القمر الذي بدأ هلالاً يبزغ في وسط ظلمة الليل الدامِس، ثم يكبر قليلًا إلى أن يكتمل بدرًا مضيئًا بعد دورة تستغرق أربعة عشر يومًا!! وقد كان يتم اختيار خروف الفصح بحسب المواصفات التالية مثل السيد المسيح كذلك: بلا عيب – ذكرًا – إبن سنة (حوليًا). وكلمة إبن سنة تشير إلى أنه شاب ليس فيه ضعف الشيخوخة..
وبعد 1981 على الصلب والقيامة، في العام 2014 بعد ميلاد المسيح الفادي، دعا قداسة البابا بمناسبة الفصح، الى التسامح.
وهو، ومنذ انتخابه يحاول إيضاح مبادئ الديانة المسيحية المبنيّة على محبة الإنسان لأخيه الإنسان. هي خطوات متقدّمة لقداسته وقد لاقت ترحيباً كبيراً عبر العالم، وهو بهذا السلوك يتبع خطى السيّد المسيح، عليه السلام، الذي خاطب أبيه وهو على الصليب قائلاً : أغفر لهم يا أبتاه.
إذاً .. الفصح ليس النهاية .. بل هو البداية .. بدايةٌ سعيدة لحياة فيها تعب وجهد .. ومع ذلك هي مليئة بالفرح .. فرح الرب.
[email protected]