يرى اختصاصيو علم النفس أن عدوانية المراهق في بعض الأحيان هي مجرد قناع يخفي وراءه ضعفه. فخلال مرحلة المراهقة وتغيراتها يفقد بعضًا من ثقته بنفسه، ويخاف أن يفقد حب أهله وعطفهم.
لذا يقارن بين ما يحصل عليه إخوته الصغار وما يحصل عليه هو. إذ يرى أن أهله مثلاً يدللون شقيقه الصغير، أما هو فلا، ما يدفعه إلى التصرف معه بفظاظة، لأن أخاه لا يزال يعيش في جنة الطفولة، ويحسده على نعيمها. والنضج هو سبب آخر لانزعاجه فهو يرى أمامه هذا المشهد الذي لا يريده، لأنه لم يستوعب بعد أنه أصبح فتى راشدًا.
يريد أن يؤدب أشقاءه
ينظر المراهق إلى أهله نظرة قاسية. وهذا طبيعي في هذه المرحلة، فهو يظن أنه اكتشف أن أهله ليسوا رائعين كما كان يعتقد حينما كان طفلاً، والأسلوب التربوي الذي يتبعونه مع أشقائه يختلف عن الأسلوب الذي اتبعوه معه.
وفي رأيه أن إخوته ليسوا إلا أطفالاً مدللين وغير مهذبين. وعمومًا يصير المراهق مراقبًا لتصرفات أشقائه، ويظن أن عليه أن يقوِّم بعض تصرفاتهم التي يعتقد أنها غير سويّة. لذا يقوم بدور مصلح العيوب ولكن على طريقته، الأمر الذي يُحدث صدامًا بينه وبين إخوته وأهله.
مشاجرات عنيفة
غالبًا ما تنتج من تصرفات المراهق المتسلط تجاه إخوته شجارات عنيفة، الأمر الذي يضع الأهل في موقف صعب، فهم يدركون أن هذه التصرفات طبيعية في هذه المرحلة، ولكنها في الوقت نفسه غير مقبولة وغالبًا ما تؤدي إلى صعوبات مع الإخوة الصغار الذين لا يستوعبون الأمر وينظرون إلى شقيقهم على أنه مجرد شخص فظّ لا يحبهم وينغّص عليهم حياتهم.
كيف يمكن الأهل التصرف إزاء هذه الصعوبات؟
عندما يتحول النقاش بين الإخوة إلى شجار عنيف، على الأهل أن يتدخلوا فورًا، وينهوا الأمر، ويؤكدوا لابنهم بلهجة صارمة وواضحة أنهم غير راضين عن تصرفاته. فالمراهق لا يحب المواقف الفاترة، بل يريد أن يكون أهله واضحين في ما يطلبون منه.
ومن الملاحظ في عصرنا الحاضر أن الأهل صاروا أكثر لينًا ومرونة مع المراهق بحجة أنهم يتفهمون الأزمة التي يمر بها، وأن تصرفاته عادية. ولكن إذا لم يضعوا حدًا له فسوف يتمادى في تصرفاته إلى حدود قد يفقد الأهل السيطرة عليها.
وعند حدوث شجار بين الإخوة، على الأهل التدخّل ليقوموا بدور الوسيط، ويحوّلوا الشجار إلى حواريستمعون خلاله إلى حجّة كل ولد من أولادهم، محاولين حملهم على إيجاد الحل المناسب لإنهاء الخصومة.
صحيح أن المراهق يتصرف أحيانًا مع شقيقه الأصغر بقسوة، ولكن هذا لا يعني أن الأخ الصغير هو الطفل البريء الذي لا حول له ولا قوة. بل قد يحدث أحيانًا أن هذا البريء يدرك ضعف شقيقه البكر فيعمل على إثارة غضبه كي يظهر لأهله أنه مظلوم .
هنا على الأهل التنبه إلى الأمر كي لا يشاركوا في لعبته، بل عليهم معرفة سبب المشكلة الحقيقي، والتأكد من ادعاءات الأخ الصغير، فهذه طريقة مثلى لمنع الكثير من الصدامات التي قد تحدث في المستقبل.
جعل البكر يشعر بمحبة أهله
يقلل الأهل في منح المراهق العاطفة التي اعتادوا أن يمنحوها له عندما كان طفلاً، ظنًا منهم أنه صار شابًا ولم يعد في حاجة إلى الدلع والغنج، بل يجب أن يقسوا عليه بعض الشيء كي يصير رجلاً مسؤولاً في المستقبل. وأحيانًا أخرى يحكم الأهل على تصرفات ابنهم، فيسبغون عليه صورة الولد الشرير.
ويؤكد الاختصاصيون أن على الأهل ضرورة تفادي الوقوع في مثل هذه الأحكام، فهذا يشعره بالأسى والحزن،وغالبًا ما ينتابه هذا الشعور عندما يرى إخوته يعيشون مرحلة من الهدوء والفرح.
لذا لا يجوز للأهل أن يحملوه على التفكير بأنه غير محبوب لأنه صعب المراس، فهو يتصرف أحيانًا بطريقة وقحة كي يعرف ما إذا كانوا يقبلونه كما هو. وردود أفعال الأهل القاسية لن تحل المشكلة، بل تؤدي إلى أن يدور الأهل والابن في حلقة مفرغة.
الأهل والتعامل مع البكر على أساس أنه مسؤول عن أشقائه
للأهل دور في جعل المراهق يتحكّم في إخوته. ففي بعض العائلات يكون الإبن الأكبر محط إعجاب الوالدين وتقديرهما ويفضلانه على إخوته، ما يجعله يتصرّف من موقع السلطة مقلدًا والده.
وهذه الحال ربما أدت إلى شعور الأصغر بالغيرة والتوتر اللذين قد يعبّر عنهما بسلوك عدائي تجاه شقيقه كتمزيق كتبه أو إزعاجه أثناء قيامه بواجباته المدرسية، محاولاً بذلك جذب انتباه أهله.
وردود الأهل السلبية مثل معاقبته أو نهره أو إجباره على عدم إزعاج أخيه ربما زادت من سلوكه العدائي. لذا عليهم أن يحاوروا الإبن الغيور بهدوء ويشرحوا له أن هذا السلوك يؤذي أخاه الذي يحبه.
وفي بعض العائلات، تكون الصورة معكوسة، فالإبن الأصغر هو الحائز اهتمام العائلة والبكر عليه التضحية في سبيله. فكثيرًا ما تكون ردود أفعال الأهل تجاه مضايقات الأخ الأصغر أنه طفل غير مسؤول وواجب الشقيق الأكبر تحمّله، الأمر الذي يولّد عند البكر شعورًا بالكراهية لأخيه الأصغر الذي يستحوذ على عناية الأهل واهتمامهم.
عدم ترك المراهق القيام بدور الراشد مع شقيقه الصغير
عندما يرغب المراهق في أخذ زمام تربية أخيه الصغير، أو ينتقد أسلوب والديه التربوي، فهذا مؤشر إلى أنه لم يعد في مكانه الصحيح في العائلة، مما يعني تحقيق الخيال في الواقع.
ورغبته في تربية أخيه الصغير تشير إلى أنه يريد أخذ مكانة والده أو والدته، لذا يجدر بالأهل تذكيره بموقعه في العائلة. أمّا تحويله إلى جليس أطفال فليس أمرًا سليمًا، وإذا وافق على ذلك بلطف فإن من الممكن أن يشعر بأنه يعمل بالسخرة،وإذا جزاه والداه بالنقود في مقابل بقائه مع شقيقته أثناء خروجهما للسهر، فإن ذلك قد يؤدي إلى أن تتحوّلعلاقة الأُخوّة إلى مصلحة مادية وتزول روح التعاون والتعاضد العائلي في المستقبل.
لذا من الضروري أن يتنبه الأهل إلى ضرورة المحافظة على مكانة المراهق أو الشقيق البكر بين إخوته وإلى أنه لا يمكنه أن يحل مكان والديه، فلكل فرد في العائلة دوره الخاص به.
في أي حال، ليس من السهل تربية الأبناء في أعمار متفاوتة بالأسلوب نفسه، فالأمر يتطلب من الأهل الصبر، وغالبًا ما تحصل بعض التعقيدات بين الإبنين، الصغير والبكر.
فعندما يشارك الولد الصغير في مخيم الكبار ربما قد يشعر بالغرابة، ولكن سرعان ما يصبح سعيدًا بمشاركته، ويلاحظ نشوء موقف موحد بين الأبناء رغم اختلاف أعمارهم تجاه الأهل.
وبعد مرور هذه الفترة المضطربة، فإن وتيرة العلاقة بين الإخوة سوف تتحسن وتصبح متينة، خصوصًا إذا كان الأولاد من جنس واحد.
فالبنات سوف يتبادلن الأسرار، ويتبادل الصبيان مكتشفاتهم والأحداث المثيرة التي تحصل معهم. وأخيرًا تعتبر المراهقة فرصة ممتازة لإعادة تنشيط علاقة الأخوّة بين الأبناء. ولكن شرط أن يقوم الأهل بتربية أبنائهم على أساس من العدل والاحترام المتبادل بين الإخوة، وألا يرجّحوا كفة ميزان أحدهم على حساب الآخر.
ابني الاتكالي
ابني في السادسة عشرة عامًا وهو ضعيف الإرادة. فهو يريد مني أن أقوم بكل الأمور بدلاً منه وأشعر بأنه وحيد فليس لديه أصدقاء.
أفكّر في عرض الأمر على اختصاصي في علم النفس، لكنني مترددة لأنه يبدو لي متصالحاً مع نفسه ولا يعاني أي صعوبة. هل هناك من نصيحة؟
عندما تصفين ابنك بأنه ضعيف الإرادة فأنت تقللين من شأن مشكلاته. فقد أوردت في رسالتك التي لم نعرض نصها بالكامل أن ابنك ليس لديه أصدقاء في سنه، وأنه يفضّل الجلوس مع الراشدين. ولا يقوم بأبسط الأمور وبأنك منفصلة عن والده منذ سنوات.
ويريد منك أن تنظّمي له كل شيء، وغيرها من الأمور التي تشير إلى أن ابنك ليس مستقلاً في تصرفاته. وهذه كلها أمور مقلقة يجدر بك التفكير فيها.
وقد استنتجت من رسالتك أن هناك غيابًا للحوار الأبوي بين ابنك وأبيه، بل بدا لي أن الوالد يخضع لكل طلباته من دون أن يسأله أو يضع حدودًا له.
وهذه مشكلة، فمن المعلوم أن المراهق في حاجة إلى الحوار مع والده وإلى سلطته في الوقت نفسه، رغم أن معظم المراهقين يبدون اعتراضهم على هذه السلطة فإنهم في لا وعيهم يشعرون بالأمان النفسي عندما يعرفون أن هناك من يضع لهم حدودًا.
إضافة إلى أن ابنك يعيش مع والدك لأنك متزوّجة من رجل آخر، وهذا ما يجعله يرتاح للخروج معك لأنه يصنع أبوين خياليين فيعتبرك الأب والأم معًا.
كل ذلك يشعره بالإرباك وبعدم الثقة بالنفس، فيرى في الاتكال عليك الوسيلة المثلى للهروب من واقع لا يجد له فيه مكانًا. فالجد لا يمكن أن يحل محل الأب خصوصًا إذا كان حيًا. لذا فإنه يشعر بأن جدّه ليس الشخص المناسب للحوار معه نظرًا إلى فارق السن الكبير بينهما.
لذا فإنني أنصحك بالمسارعة في مساعدته، وفي الوقت نفسه عليك أن تفسّري له أنه من الضروري عرض الأمر على اختصاصي.
ومن ثم عليك البحث عن البيئة الاجتماعية الصحية التي تساعده في بناء شخصيته المستقلة فمثلاً : تشجيعه على الانتساب في نادٍ رياضي يسمح له بلقاء أقران له يتواصل معهم. ولكن أعود وأشدّد على ضرورة استشارة اختصاصي يساعده على تخطّي كل هذه الصعاب.
[email protected]