الخريف المتقلب والمتمرد على إخوته يسرق راحتنا وألوان قوس قزح ويخلع ثوبه الأخضر ليستبدله باللون الذهبي الذي يغازل تارة أشعة الشمس الحريرية، وتارة أخرى أوراقه المبعثرة التي تعاني من وطئها بأقدامنا المثقلة، وتحاول رياحه المجنونة مداعبة أغصان الأشجار الباسقة المنحنية قامتها ، فتتناثر الأوراق الشاحبة لتلامس التراب ويبقى الغصن حزينا عاريا يقاوم الرياح والبرد الشديد، وعلى سيمفونية ألوانها تتراقص أوراق الأشجار والطيور المهاجرة إلى عالم جديد تبحث عنه!
تتغطى السماء بلحاف الغيوم المتلبدة بلونها الرمادي، وحياتنا أشبه بأوراقه المتساقطة حزينة دامعة ذابلة تنثرها في ردهات الأيام والحياة الشائكة وهمومها التي تمزق وتحطم الآمال والأحلام فتفقدنا مفاتيح الصبر.
تتساقط الأوراق بغزارة لتملأ الأرض برائحة الخريف لتهيّئ نفسيتنا لكتابة التأملات والخواطر المعبرة عن شعور صادق، فتبكي الأشجار مخفية دموعها السخية تحت جذورها المتشرشة التي جففها التراب، ولا تبقى فيه شجرة مثمرة، كحال الإنسان عندما تمر به فترة الخريف يتساقط منه الكثير .
كم هو جميل أن نعيش الخريف ونقلب صفحاته لنتعلم من أيامه ما يفيدنا؛ لنواجه الحياة والواقع دون تردد وخوف، ولنتذوق طعم الحياة الذي بات هذا الزمان كالأمنية شبه المستحيلة!
وقد نحب الخريف لأنه قد يغير مسار حياتنا، ولأن الكثيرين يشبهونه؛ إذ يكشف حقيقة الأشخاص كما الأوراق؛ بعضها يسقط في أوله ومنها ما يبقى مرتبطا بأصله وجذوره مهما كان الخريف مكابرا .
[email protected]