من صمت كلماتي الغامضة، ولغتي المبهمة التي أسطرها، أحاول أن أدع الكلمات ترسم لوحة خيالية لقطار الأيام الذي أفقد فرامله متعمدا كي لا يقف في أي محطة؛ ليس لأنه لا يستطيع الجلوس، بل لأنه يطبق سياسة المجتمع الذي في غريزته حب الهيمنة والسيطرة، انتهاك حرمة وحقوق الضعفاء، يريد أن يكون المجرم لا الضحية. ويحضرني قول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، مؤسس الفلسفة التحليلية عندما قال: "الحياة ليست إلّا منافسة يريد فيها كل منا أن يكون المجرم لا الضحية".
ونحن، بني البشر، في غريزتنا الحقد والانتقام، والانجرار وراء المظاهر المثالية والتلون، ونميل لحكم شريعة الغاب، نرتكب الجرائم يوميًا دون أي إحساس وندم، والكارثة ليست عندما يتغلب الشرّ على الخير، وإنّما عندما يسكت الخير على ذلك.
ننسى ونتناسى فضل الله ونعمه الذي علا فقهر، ومللك فقدر ، وعفا فغفر، وعلم وستر ، وهزم ونصر ، وخلق ونشر، وأن الحياة الطبيعية هي حياة يلهمها العطاء والتضحية وترشدها المعرفة، وأن العلم هو ما نعرف والفلسفة هي ما لا نعرف، وأننا لن نموت دفاعا عن قناعاتنا فقد نكون مخطئين ونتجاهل الحقيقة؟
"كن قنوعا بما لديك فبحثك عن الأجمل يقتل جمال ما تملك أحيانا".
وأتساءل، كيف يمكن لإنسان أن يتخلى عن الإنسانية ويصبح أسير الشيطان؟!
لا عجب في هذا الزمن العصيب الغريب أن من تجلسه على عنقك لا بد أن يحاول جاهدا الصعود على رأسك، وأن الكثيرين من الناس يكذبون الكذبة ويصدقونها، يتحدثون في المجالس والمناسبات عن إنجازات وبطولات ومواقف وهمية ويدخلون نافشين ريشهم المصطنع ويظهرون بمظهر جذاب، وفي الحقيقة مسلكهم و نواياهم وتفكيرهم تحت الحزام، أي أوطأ من البحر الميت، لأنهم بالأساس أحياء أموات، لا مشاعر ولا مبدأ لهم، بعكس أناس رحلوا عن هذه الدنيا لكنهم ما زالوا أحياء يعيشون في وجداننا وقلوبنا ونفوسنا وقد تركوا سيرة عطرة بمواقفهم المشرفة وخدماتهم لمجتمعهم بكل تفانٍ ونصرة وإحقاق الحق، وكما قال المثل الشعبي: "من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله"، مع كل هذا فهم لا يرون عيوبهم كما يرون عيوب الآخرين وهذه قمة الوقاحة والأنانية.
هذا ما يحدث عندما نعطي الحمار أهمية مفرطة، يظن نفسه جوادا لا يكبو أبد الدهر ،
لا ولا يعرفون أن القفص الذهبي لا يغذي الطيور، وأن كثرة تناول الأعشاب تجعلهم نعاجًا، وأن الثعلب، مهما كان مخادعا، فسيأتي يوم ويقع ضحية مكره.
[email protected]