لم يحلم مطربو الراب في مصر بالمكانة التي وصلوا إليها بين الشباب، وربما لم تصل آمالهم إلى حد استحداث شعبة تدمجهم في نقابة الموسيقيين.
يوم تلو الآخر، تزداد شعبية مغنيّ الراب المصريين، جنباً إلى جنب مع مطربي المهرجانات الشعبية، التي راقت هي الأخرى لأذواق المصريين، وسط تراجع شديد للأغنية التقليدية.
وسجّل الراب المصري نجاحات وحضوراً لافتاً داخل مصر وخارجها، وآخرها ظهور مغني الراب ذائع الصيت "ويجز" في نهائي كأس العالم قطر 2022، وغنائه بين شوطي المباراة.
وبعد سياسة المنع التي اتبعها نقيب الموسيقيين المصري السابق هاني شاكر مع مغنيّ الراب، لجأ النقيب الحالي مصطفى كامل إلى نهج آخر، فتصالح مع هؤلاء الشباب ومنحهم العضوية وتصاريح الغناء.
"العين الإخبارية" استطلعت آراء نقاد وموسيقيين مصريين حول تقييمهم لتجربة فن الراب في مصر وأسباب الشعبية الكبيرة التي يحظى بها خصوصا بين الشباب.
في البداية، يقول الشاعر الغنائي المصري عوض بدوي إن عبارة "قديم أوي" باتت دارجة على ألسنة الشباب، مضيفًا: "حالة التمرّد الدائمة لدى المراهقين والشباب تعطي تفسيراً واضحاً لاكتساح هذا النوع من الغناء".
الراب إلى زوال!
ويرى "بدوي" في حديثه مع "العين الإخبارية" أنه "لا يصح إلا الصحيح، والأغنية بشكلها التقليدي وبكلماتها المحترمة التي تتماشى مع لحن وتوزيع ويؤديها مطرب قادر على الغناء هي الأغنية التي ستستمر".
وهاجم الشاعر الغنائي مغنيّ الراب، قائلًا: "هؤلاء يقعون في النشاز والكلمات الغارقة في الأوزان"، مستدركاً: "لكن بالنسبة للشباب، الراب حالة تمرّد، وهذا ما يروق لهم هذه الأيام، ولكني أعتقد أنها حالة إلى زوال".
وأردف: "لن يستمر الراب، وسيكون مصيره مثل الفرق الموسيقية المصرية والأجنبية ومجموعات الأصدقاء والجذور وفرقة هاني شنودة العظيم، أين كل هؤلاء الآن؟! هذه ظاهرة وقتية مرحلية ومؤقتة".
واعتبر أن "الراب ليس فناً حقيقياً، فهو ليس كالمسرح الذي استمر منذ أيام الفراعنة والإغريق والرومان أي قبل أكثر من 4 آلاف سنة ولا يزال قائماً إلى الآن، رغم تجدد أشكاله ومضامينه".
"لا راب في مصر"
أما الناقد الموسيقي أمجد مصطفى فبدأ حديثه مع "العين الإخبارية" بقوله "مفيش راب في مصر"، مضيفًا: "الراب بشكله التقليدي والمتعارف عليه ظهر في المجتمع الأمريكي للتنديد بالتمييز العرقي ضد السود".
واعتبر "مصطفى" أن "ما يطلق عليها (أغاني راب) في مصر الآن لا تعدو سوى محاولات من بعض المؤديين للارتقاء بأعمالهم لاجتذاب فئات معينة من الجمهور، بعيدًا عن الطبقات الشعبية وأصحاب المهن البسيطة".
وأشار إلى أن التجديد في الأغنية المصرية بدأ بشكل واضح مع جيل حميد الشاعري وعلي حميدة في التسعينيات، ثم جيل هاني شاكر وتامر حسني ومحمد حماقي ومحمد منير، وأخيرًا المهرجانات والراب.
ويرى الناقد الموسيقي أن "ويجز ومروان بابلو وأبيوسف يقدمون أغنيات تقترب كثيراً من الراب الغربي، ويتضح هذا في كلمات أغانيهم والموسيقى سريعة الإيقاع، وهو ما اجتذب إليهم الشباب الراغب في التمرد".
وتابع: "الشباب والمراهقون من سن 10 إلى 25 سنة هم جمهور مغنيّ الراب حالياً، وهذا يرجع لعدة عوامل، أبرزها في رأيي غياب الرقابة ودور الأسرة في توجيه الأبناء والنشء، ما أدى لسهولة وصول هؤلاء الشباب والمراهقين إلى هذا اللون من الغناء، وبتنا نرى بعض الآباء يوصلون أبناءهم بسياراتهم إلى حفلات الراب، وهذا الأمر لم يكن موجودًا في السابق".
الأغنية التقليدية.. "تكرار وملل"
بدوره، يرى الشاعر الغنائي أحمد المالكي أن سبب ميل الشباب والمراهقين إلى أغاني الراب والمهرجانات هو الملل من التكرار والسأم من الأغنية التقليدية وألحانها والموضوعات التي تناقشها، واعتمادها في الجزء الأكبر على الرومانسية والعلاقة بين الرجل والمرأة.
وقال "المالكي" لـ"العين الإخبارية": "في كل زمن يعاني جيل الشباب الملل من القوالب السائدة، وجزء من مسؤولية هذا السأم يقع على عاتقنا، فالشباب والأجيال الجديدة ترفض أصوات الطرب الناعمة، وأذواقهم تختلف تماماً عن الأصوات اللي تربينا ودرجنا عليها في الغناء، من حيث الصوت الناعم والسليم والقوي".
ويلقي الشاعر الغنائي المصري باللوم على الموضوعات التي تناقشها الأغنية التقليدية، والتي عادة لا تخرج عن "الحب والفراق والمصالحة والهجر وغيرها".
وأضاف: "هذه النوعية من الأغنيات لم تعد رائجة في زمن السرعة والسوشيال ميديا"، داعياً إلى مراعاة أذواق الشباب في الأغنية التقليدية.
وزاد: "أنا شخصيا عندما ألّفت لتامر حسني أغنية (حلو المكان) كنت حريصاً على الخروج قليلاً عن هذه الموضوعات، والأغنية نجحت بالفعل، لأنها كانت تتماشى مع المناسبات وأعياد الميلاد".
"طفرات غنائية"
ويتفق معه الشاعر الغنائي عوض بدوي، ويقول: "في كثير من الأوقات تحدث حالة من التشبع من الأغنيات العاطفية والغناء التقليدي القائم على مطرب وفرقة وآلات موسيقية طربية"، مضيفًا: "أعتقد أن ما يحدث الآن هو حالة من التمرد على الغناء وحالة من حب التغيير، وهذا وارد وطبيعي جدًا".
وأردف: "الأغنية مستمرة منذ أم كلثوم إلى عبدالحليم إلى عبدالوهاب وحتى محمد حماقي وعمرو دياب، لكن ما يحدث الآن يمكننا اعتباره (طفرات غنائية) وهي المهرجانات الشعبية والراب وستنتهي دون شك؛ لأنه شكل من الغناء غير راسخ، وكان هناك فن أكثر رسوخًا مثل المونولوج، ولكن أين هو الآن؟".
واختتم "بدوي" حديثه بالإشادة بموقف مصطفى كامل، نقيب المهن الموسيقية المصري، مع مغنيّ الراب والمهرجانات، قائلًا: "مصطفى كامل ليس كهاني شاكر الذي كان -رغم أنه مطرب عظيم- نقيبًا ديكوريًا، وقراره باستحداث شعبة للراب والمهرجانات قرار سليم وجاء في وقته، فهو يعلم تمام العلم أن هذا النوع من الغناء إلى زوال، لكنه قرر أن يستفيد منهم وإخضاعهم للنقابة وضوابطها".
"غير قابلة للقياس"
ويرى الشاعر أحمد المالكي أن أذواق الجمهور، خاصة الأجيال الجديدة، تستعصى على القياس، قائلًا: "الأغنية التقليدية تحقق بين الحين والآخر طفرات مثل أغنية (من أول دقيقة) لإليسا وسعد لمجرد، فهي أغنية رومانسية عادية وبسيطة جدًا، لكنها حققت نسب مشاهدات عالية جدًا، وكذلك أغنية (البخت) لويجز، وهي أغنية تقليدية من حيث الموضوع والكلمات، وفيها عبارة قديمة جدًا مثل (كلام معسول)، ومع ذلك يحبها الشباب، والأغنية السائدة منذ فترة وهي (اتنسيت) للمغني مسلم، وهي أغنية تقليدية وكلماتها قديمة جدًا ومع ذلك تجاوزت 300 مليون مشاهدة، وهو رقم قياسي هذه الأيام".
ويضيف "المالكي": "على المستوى الشخصي لا أستطيع تفسير الأمر، وعندما أعمل على أغنية جديدة لا يمكنني توقع مدى نجاحها، ومؤخرًا سألت نفسي (هقول إيه؟)، لكني قررت أن أكتب ما أشعر به وعدم التفكير في نجاح الأغنية من عدمه، والتوفيق في النهاية من عند الله".
وفي ختام حديثه، توقع "المالكي" أن تختفي أغاني الراب مثلما اختفت موجة المهرجانات الأولى: "أين أوكا وأورتيجا الآن؟ وحمو بيكا وحسن شاكوش من الملاحظ للجميع أن نجمهم بدأ يتراجع، وحتى أغاني الراب والـ(تراب) تراجعت العام الماضي قليلًا، وأعتقد أن هذا اللون من الغناء سيأخذ وقته ويختفي مثل غيره"
[email protected]