شهدت بريطانيا في مثل هذا اليوم عام 1170، حادثة كبرى قتل فيها توماس بيكيت، كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية، في ظروف جعلت الملك هنري الثاني يمشي حافيا ويطلب جلده بالسياط.
تعرف ملك إنجلترا هنري بلانتاجنيت على بيكيت حين كان له من العمر 21 عاما، فعينه مستشارا له، وأصبح في وقت قصير صديقا مقربا ورفيقا له في حله وترحاله، ودبلوماسيا للمهمات الخاصة.
استمرت العلاقة الحميمة بين الملك ومستشاره فترة من الزمن، وبدأت الأوضاع تتغير في عام 1162. في تلك السنة وهي الثامنة من حكم هنري، شغر منصب رئيس أساقفة كانتربري، ورغب الملك في أن يتولاه بيكيت، وان يجمع بين منصب رئيس الأساقفة والمستشار.
رفض توماس بيكيت في البداية، متحججا بأن شخصا واحدا لا يمكنه خدمة الله والملك في نفس الوقت، إلا أن هنري الثاني أصر، فيما تردد أن المستشار، أعلن عن موافقته بقوله: " سأخدم أولا وقبل كل شيء الرب، وبعدها فقط، أنت".
بعد وقت قصير، تغير بيكيت بشكل جدري تماما، وما عاد يرتدي الثياب الفخمة المزركشة، وأصبح زاهدا يرتدي ملابس خشنة ويأكل الخبز اليابس فقط وينام على مقعد بسيط، ويدعو كل يوم 30 متسولا إلى الطعام، ويغسل أقدامهم بيديه ويخرج الصدقات لهم.
وفي عام 1163 اصطحب بيكيت أساقفته في جولات للقاء البابا ألكسندر الثالث، وعاد وهو يعتزم إعلان استقلال الكنيسة عن الدولة، وأمر بمراجعة جميع قضايا المحاكم على مدى المائة عام الماضية المتعلقة بالاستيلاء على أراضي الكنيسة. وبشكل غير متوقع، أصبحت الكنيسة أكثر ثراء مما كانت عليه.
ورد هنري الثاني على بيكيت في عام 1164 بتفعيل مرسوم هنري الأول بشأن سيادة الملك في المسائل المدنية، ما جعل حل النزاعات حول الأراضي والضرائب والنظر في الطعون من اختصاص الملك.
بنهاية المطاف، كان جميع سكان إنجلترا، بغض النظر عن الرتبة والوضع الاجتماعي، بما في ذلك بيكيت ورجال الدين الآخرين رعايا للتاج. وأصبحت العلاقة بين الصديقين القديمين تتوتر يوما بعد آخر.
وفي مجلس ملكي انعقد في عام 1164، في نورثهامبتون، طالب بيكيت مرة أخرى بامتيازات للكنيسة، فعل ذلك وهو يرفع الصليب بطريقة متحدية لإظهار من كان يخدم تحديدا.
ورد هنري الثاني مهينا بيكيت ومذكرا إياه بأنه ليس من النبلاء الرفيعين، فأجاب بيكيت:" يجب أن نطيع الله، وليس الإنسان"، وانتهت هذه المواجهة الساخنة بسفر بيكيت إلى باريس، حيث عاش هناك ست سنوات.
انشغل الملك هنري الثاني بإخماد انتفاضات في أراضي بريطانية خارج إنجلترا، إلا أن عام 1170 شهد مصالحة قصيرة مع بيكيت في فرنسا، عاد بموجبها رئيس الأساقفة الإنجليز إلى إنجلترا.
واصل بيكيت تحديه للملك، ورد هنري الثاني وكان حينها في منطقة النورماندي على ما بلغه من أخبار عن نشاطات رئيس أساقفة كنيسته المهددة لسلطة الملك، قائلا وهو يغلي من الغضب: "ألن يخلصني أحد من هذا الكاهن المتمرد؟".
أربعة من الفرسان، فهموا كلمات هنري الثاني على أنها أمر مباشر بقتل بيكيت. خرجوا مباشرة وسبحوا عبر القناة الإنجليزية متوجهين إلى كانتربري، حيث كبير القساوسة. لاحقوا بيكيت إلى مذبح الكنيسة وانهالوا عليه بسيوفهم، ثم تركوه يلفظ أنفاسه الاخيرة في بركة من الدماء داخل بيت الرب.
فر القتلة الأربعة من البلاد، وتوجهوا في البداية إلى روما، ثم إلى الأراضي المقدسة للمشاركة في الحروب الصليبية، علامة على ندمهم وتوبتهم.
ارتجت أوروبا لمقتل توماس بيكيت، واهتزت الأرض تحت أقدام هنري الثاني الذي تنصل من الجريمة، إلا أن الغالبية كانت تتهمه، فقد اغتيل رئيس الأساقفة في معبد الرب وقتل بأمر من الملك، وإن لم يصدر بطريقة مباشرة.
غضب الكنيسة على مقتل توماس بيكيت كان عارما حتى أن أحد رجالاتها رأى أن جريمة هنري الثاني أكثر خطورة من جميع جرائم نيرون، بل وأخطر من جريمة يهوذا.
دخل ملك إنجلترا هنري الثاني في حداد عميق لمدة ثلاثة أيام، واستسلم لسلطة البابا، معترفا بأن صلاحيات الملك وسلطاته لا تطال الكنيسة. ثم خصص أراضي لبناء أديرة جديدة.
تبرأ الملك بكل الطرق من مقتل كبير قساوسته، حتى أنه مشى إلى قبر صديقه القديم حافيا، وخلع ملابسه وبأمره تعاقب القساوسة في المعبد على جلده بالسياط، ثم قضى ليلته في توسل المغفرة.
بقي هنري الثاني على العرش بعد الجريمة، وظل يحكم لمدة 18 عاما، إلا أن اغتيال كبير قساوسة الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا، قلبت في ذلك الوقت موازين القوى تماما ضد العرش.
شاهد ايضا:-
https://youtu.be/ugofxsJnH84
[email protected]