هذا هو الشعار الذي رفعه المهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف في دورته العاشرة التي امتدت هذا العام من 20 وحتى 29 مارس، وتجاوزت فعالياته حدود مدينة كالفان لتشمل 20 موقعاً توزع بين فيرسوا، ولوزان، وبعض المدن الفرنسية القريبة.
كدأبه منذ تأسيسه، ومن خلال باقة متنوعة تزيد عن 100 فيلم مشارك، سعى المهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف في دورته العاشرة إلى استكشاف تنوع المجتمعات الشرقية، ومَد الجسور، وتعزيز الروابط الثقافية بين الشرق والغرب، والتعرُّف على الوجه الآخر لهذا الجزء من العالم، بعيداً عن الصور النمطية والأفكار المُسبقة.
إفتتاح المهرجان خُصّ للشاعر السوري الكبير علي أحمد سعيد أسبر المعروف بـ "ادونيس"، الذي اختير كضيف شرف لهذه الدورة من خلال الفيلم الوثائقي "أرض الغياب، لقاء مع ادونيس" للمخرج الايرلندي جون البار يانسن.
وكما في الأعوام السابقة، سَجَّلَت دول شمال أفريقيا حضوراً قوياً في قائمة الأفلام المشاركة، تقدمتها تونس بـ 21 فيلماً، تبعتها الجزائر بـ 9 أفلام، ثم المغرب بـ 8 أفلام. ومن الشرق الأوسط كانت حصة الأسد للبنان بـ 14 فيلماً، وشاركت مصر بـ 10 أفلام، وكل من سوريا والأردن بـ 4 و3 أفلام على التوالي. كما شاركت إيران، وتركيا، وإسرائيل بـ 3 أفلام. وتصدرت فرنسا قائمة الدول الغربية المشاركة بـ 20 فيلماً، تلتها ألمانيا بـ 9 أفلام، وسويسرا بـ 4 أفلام. وشهد المهرجان أيضاً مشاركات من بلجيكا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وهولندا، وأستراليا، وكندا، والدانمارك، ودول أخرى من آسيا وأفريقيا.
أفلام وندوات وورش عمل
يُمكن القول أن المهرجان سبر أغوار الشرق بكل حالاته، من خلال مجموعة متنوعة من الأفلام التي لاقت صدى واسعاً سواء في وسائل الإعلام، أو من خلال مشاركتها في مهرجانات دولية أخرى. وكان شعار الحب هو القاسم المشترك لمعظم هذه الأعمال السينمائية، التي تناولت بشكل خاص الرؤى النسوية ودورها الإجتماعي والسياسي الجوهري في تاريخ هذه المنطقة، وهو ما بدا جلياً في مضامين الأفلام المشاركة، والعدد الكبير من المُخرجات النساء. كما تم تسليط الأضواء على قضايا الهجرة، والإندماج، والإختلاف، وثقافات الأقليات، وتفشي أعمال العنف وغيرها من الملفات التي تعجّ بها هذه المنطقة.
المهرجان تناول أيضا موضوع "النظرات المتقاطعة: سويسرا والشرق" الذي تضمن عروضاً لأفلام من إنتاج الغرب حول الشرق وبالعكس، مُسلطاً الضوء على غِنى التأثير الثقافي المتبادل. كما أولى أهمية خاصة لأفلام سويسرا الحاضنة للمهرجان، حيث يُقيم ويعمل العديد من المخرجين الوافدين من الشرق.
وبالتوازي مع العروض السينمائية، نُظِمت العديد من النقاشات والندوات التي تناولت عدداً من المحاور مثل "حرية الإهانة أو إهانة الحرية"، التي ناقشت وجهات النظر المختلفة بين الشرق والغرب حول مسألة حرية التعبير. وبغية عكس صورة "الآخر" لفئة الشباب، إهتم المهرجان أيضاً بِعَرض عدد من الأفلام التي تعالج قضايا هذه الشريحة للطلاب في مدرستين في جنيف، كما لم يُغفل إقامة معرض فني، وبرامج تعليمية، وورش عمل.
سبعُ مسابقاتشهد مهرجان الأفلام الشرقية في دورته العاشرة (من 20 إلى 27 مارس 2015) 7 مسابقات تضمنت الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية، والأفلام الدولية والسويسرية القصيرة، وجائزة محمد بيومي، فضلاً عن مسابقتين مدرسيتين.من ضمن الأفلام الثمانية التي تنافست في مسابقة الأفلام الطويلة، كان الفيلم الإيراني "كم هو الوقت في عالمك" لصافي يازدانيان، الذي فاز بجائزة المهرجان الذهبية للأفلام الطويلة، والفيلم المغربي/ الفرنسي "حمّي" لهشام عيوش، الذي تحصل على الجائزة الفضية.شارك في مسابقة الأفلام الوثائقية 10 أشرطة، من بينها الفيلم الفرنسي "هذه أرضي" للمخرجة تمارا إيرده الذي فاز بالجائزة الذهبية للأفلام الوثائقية، والفيلم المصري "يهود مصر" لأمير رمسيس، الذي فاز بالجائزة الفضية.وعرفت مسابقة الأفلام القصيرة الدولية مشاركة أفلام مثل "مول لكلب" للمخرج المغربي كمال لزرق، الذي فاز بجائزة المهرجان الذهبية للأفلام القصيرة، والفيلم التونسي "سلمى" لمحمد بن عطية الذي فاز بالجائزة الفضية. وتضمنت مسابقة الأفلام القصيرة السويسرية، فيلم "رماد البركان" للمخرجة ماريا نيكولييه ثرو، الذي فاز بالجائزة الذهبية لهذه الفئة من الأفلام.وفي مسابقة جائزة محمد بيّومي المخصصة لتكريم رواد السينما العربية، كان الفوز من نصيب الفيلم الجزائري "سينما شكوبي" للمخرجة بهية علواش.
المرأة في "فتاة المصنع"
تَجَسَّد موضوعا المرأة والحب في فيلم "فتاة المصنع" للمخرج المصري محمد خان، الذي كان ضمن الأعمال الثمانية التي تنافست في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. ويتناول الفيلم الذي "يعكس صورة المرأة المصرية العاملة في الطبقة المُهمشة من المجتمع" وفقاً للمخرج، وضع المرأة التي تعمل منذ صغرها لمساعدة أسرتها، من خلال نَقلِه تفاصيل حياة فتيات يَعمَلْن في مصنع للخياطة. وهو يروي قصة حب محكوم عليها بالفشل المُسبق بين إحدى العاملات والمشرف على المصنع، في ظل مجتمع يرفض علاقات الحب، وينصاع للشائعات، ولا يسمح بتجاوز الفوارق الطبقية حتى ضمن الطبقة نفسها.
ويركز الشريط الذي حصد غالبية الجوائز الأساسية في المهرجان القومي للسينما المصرية، ومهرجانات أخرى، على المرأة القوية المكافحة، وتمسكها بالأمل رغم القهر والفقر، وهو ما يبدو جلياً مع نهاية الفيلم، التي أبى فيها المخرج إلاّ أن يستبدل صورة الفتاة الجريحة بأخرى انتصرت على جراحها، بأن جعل بطلة الفيلم تخلع "طرحتها" وترقص في حفل زفاف من أحبّته "في دلالة على تحررها من محنتها وهي أكثر قوة وإصراراً على حقها في الحياة"، كما قال محمد خان.
التعاطي مع الإختلاف في "غدي"
وفي مسابقة الأفلام الطويلة أيضاً، شارك الفيلم اللبناني ‘غدي’ للمخرج أمين درة، الذي "يطرح موضوع تعامل المجتمع مع ‘الإختلاف’ بكل أنواعه إبتداءً من الجسدي ووصولاً إلى عدم تقبل الآخر، مما يؤدي إلى الحروب بالنتيجة"، وفقاً لجورج خباز، مؤلف الفيلم، والقائم بالدور الرئيسي فيه. ويحكي الشريط قصة أب يدفعه حبه لولده المصاب بمتلازمة داون إلى اللجوء إلى حيل وطقوس غريبة، بغية إقناع سكان الحي الذي يقيم فيه بتقبل إبنه الذي كان يُزعجهم بصراخه المتواصل، إلى درجة تصميمهم على رفع شكوى لإلحاقه بمؤسسة لذوي الإحتياجات الخاصة. وفي مناخ من الكوميديا السوداء لمنطلقة من واقع مرير، ينجح الأب في إقناعهم أن ابنه ‘غدي’ ما هو إلّا الملاك الحارس للحي بعد أن كان سكان الحي يعتبرونه شيطاناً وعقوبة من السماء.
ويحمل الفيلم الذي حصد عدداً من الجوائز العالمية في طياته أكثر من رسالة، إبتداءً من تمسّك الأهل بولدهم المعاق في ظل مجتمع عنصري متناقض يحاول تهميش كل ماهو مختلف، وانتهاءً بتسبب هؤلاء "المختلفين" بالذات في تغيير هذا المجتمع نحو الأفضل.
وحول السبب في لجوئه إلى الكوميديا قال خباز:"إن نظرة العالم [العربي] نحو المختلف مضحكة بالفعل، وقد وجدتُ أن الكوميديا هي أفضل وسيلة لإيصال رسالة الفيلم إلى القلب والفكر".
الموسيقى كلغة للتعايش
وفي سباق الأفلام الوثائقية، يسلط الفيلم التركي "موسيقى وتعايش" لمخرجه أوسيلي حنا الضوء على العمل الشجاع لمجموعة من الموسيقيين الذين يعملون مع أعدائهم المزعومين، في محاولة لرأب الإنقسامات العرقية والثقافية والدينية، وكسر الحدود والأساليب التقليدية في التفكير، في ظل ظروف وقيود إجتماعية وسياسية بالغة الصعوبة.
الفكرة راودت المخرج كما يقول إثر حضوره حفلاً موسيقياً في برلين لأوركسترا "الديوان الغربي الشرقي" التي أسسها المُفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد والموسيقار الإسرائيلي دانييل بِرِنباوم في عام 1999، والتي تضم موسيقيين من مصر، وإيران، وفلسطين، والأردن، ولبنان وإسرائيل، وسوريا، وآخرين من أصول أسبانية.
وفي بحثه عن حالات متشابهة، ينطلق حنا في رحلة حول العالم يتعرف المشاهد فيها على عدد من الفرق الموسيقية مثل "هارت بيت" في القدس، حيث يعزف ويغني مجموعة من الشباب الفلسطينيين والإسرائيليين بالعربية والعبرية، ومروراً بفرقة "آركيتكتس" من الصرب والألبان، الذين تضطرهم الضغوط السياسية والمشاكل الإجتماعية في ميتروفيتسا التي يقيمون فيها إلى تأليف موسيقاهم عبر الإنترنت، وإقامة حفلاتهم في إيطاليا، وإلى برلين حيث يُطرب المشاهد مع تنوع موسيقي غني فريد من نوعه مع فرقة "أغاني الإخوة" التي تعزف موسيقى الأناضول وبلاد ما بين النهرين، وتغني بالكردية، والأرمنية، والآشورية، والزازاكية، وغيرها من اللغات المختلفة لهذه المنطقة التي مُنِعَت في تركيا بعد تأسيس الجمهورية، في خطوة شجاعة لإظهار إمكانية التعايش السلمي واحترام الآخر.
جسر ثقافي للتقارب بين عالمينفي لقاءه مع swissinfo.ch، أعرب الطاهر حوشي، مدير مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف عن ثقته بنجاح الجهود المبذولة من قبل التظاهرة السينمائية لِمَد الجسور بين الشرق والغرب، وما تحقق من نتائج إيجابية منذ تأسيسه قبل 10 أعوام. وكما قال: "المهرجان هو مبادرة متواضعة نُظهر فيها من خلال الأفلام وجود تاريخ أبدي من الحب والمشاركة بين الشرق والغرب، وتدل متابعة المهرجان من قبل أكثر من 7000 شخص على جمالية فكرة التقارب بين هذين العالمين".لا يُنكِر حوشي أن المهرجان مازال يواجه العديد من المشاكل الموضوعية الناتجة عن عدم الإهتمام. "مع ذلك، سوف نواصل مسيرتنا كالقطار الذي ليس له سوى وجهته النهائية. لكن الأهم من هذه الوجهة هو المشوار بحد ذاته، الذي نتشكل، ونتعلم، ونصلح أخطائنا من خلاله لنَكبَر بالنتيجة. ومع أن المهرجان بأعوامه العشرة مازال حديث العهد، لكننا تحصلنا على الكثير من الخبرة، وأصبحنا حدثاً لازماً يتمتع بمستقبل في سويسرا الروماندية (أي المتحدثة بالفرنسية)"، كما قال.شارك في دورة المهرجان لهذه السنة أكثر من 100 فيلم، وحضره أكثر من 100 مدعو. وفي عام 2014، زاد عدد متابعي المهرجان عن 7000 شخص.
سويسرا وتحديات الإندماج
مسابقة الأفلام القصيرة عرفت مشاركة المخرج السويسري /المصري كريستوف صابر مع فيلمه "التأديب"، الذي كان مشروع الدبلوم والتخرج للمخرج الشاب من كلية الفن والتصميم في لوزان.
تدور أحداث الشريط في محل بقالة في لوزان يديره مصريان، عندما يفقد أب صبره مع إبنته المشاكسة ويلجأ في لحظة غضب إلى تأديبها بضربة خفيفة، الأمر الذي تستهجنه إحدى الزبونات [السويسريات] التي تتدخل لتعطيه درساً حول التربية السليمة. ويحتدم النقاش مع تدخل كل الموجودين في المحل، والإختفاء التدريجي لأي أثر للكياسة، ليتفاقم الأمر بسرعة إلى عراك لا يستثني أحداً.
الفيلم الذي حصد العديد من الجوائز داخل وخارج سويسرا، إعتمد أسلوب المبالغة والكوميديا، لتسليط الضوء على سوء الفهم الذي قد ينتج عن الإندماج السيء للثقافات المتعددة. وتعمد المخرج زَج مزيج من اللهجات واللغات في الحوار كاللهجة المصرية، والجزائرية، والفرنسية، والسويسرية الألمانية، في إشارة إلى التنوع اللغوي والثقافي السائد اليوم في سويسرا.
وحول سبب اختياره هذا الموضوع لفيلمه، أعرب صابر عن اعتقاده بأن التعددية الثقافية لا تُناقش بما يكفي في السينما السويسرية وأضاف: "أجد أن سويسرا منقسمة بعض الشيء من الناحية السياسية، الناس مثلاً غير متفقين في مسألة الهجرة، ولبعضهم مواقف معادية للأجانب، وكنت أريد أن أظهِر هذه المواقف المتناقضة في التفكير في فيلمي".
للتذكير، أشرفت على هذه المسابقات لجان تحكيم مؤلفة من شخصيات معروفة في عالم الفن، والأدب، والصحافة من الشرق والغرب، مثل المخرج السوري محمد ملص، والكاتبة والناشطة الدولية فوزية أسعد، ومحمد قبلاوي مدير مهرجان مالمو (السويد) للسينما العربية، وسهام بن سدرين، الناشطة التونسية في مجال حقوق الإنسان، وآسيا الريان، مديرة مهرجان سينما المرأة العربية في هولندا، وغيرهم.
[email protected]