ها أنا ابحث عنك يا خالي العزيز كي أرثيك فأجدك حاضراً في كياني حيث كل كلمات الرثاء لا تكفيك ، جفتْ المآقٍ في جفوننا من هول الصدمة ; لقد فأجئنا ذلك الألم ، الذي سلب منا نوعًا من الحياة ، وأخذ من قلوبنا قطعة سكر ، لقد فأجئنا الألم لأن فيه المَضض، والكآبة ؛ لأن فيه الخيبة والذهول ؛ لأن فيه الحسرة والشوق.
عشقتك يا خال في طفولتي لأني رأيت حبك لبلدك عيلبون مثل حورية تشع في وهج عينيك , تفترش أرضها في موسم الزيتون وتقطف خيرها وتخلع اوحال نعليك في نهاية كل يوم .. كنت مثل الراهب الناسك المتعبد الذي يشدو ويصلي في صومعته ما بين اشجار الزيتون والوز .. تلك الطريق التي اعتدت على سلوكها منذ نعومة اظفارك ، ما زالت كما ودعتها ، راقدة على اطلالك تنتظر مرورك من جديد .
تلك الطريق ما زالت تذرف الدمع ، هناك حين وُجدتَ نائماً ، ممداً ، مغشى العينين ، هناك حيث تركتنا بهدوء ورحلت.
عهدتك أيها الفارس النبيل جواداً اصيلاً ، تبذل ما بجوفك من مداد ، لتطعم صحائف الخوالي ، عهدتك طيبا ، محباً ، كريماً ، عصامياً ، سَخرتَ طاقتك الابداعية جنديا مُخلصا في خدمة السلك التعليمي لأكثر من 44 عاماً في مدرسة تيراسنطة العكاوية ، وإذا كنت قد رحلت عن دنيانا الفانية فإنك ستظل باقياً حياً في قلوب الكثيرين من محبيك وعشاق كلماتك الدافئة , ستظل حاضراً في وجدانهم ، في قلوب من ترعرعوا وتعلموا على يديك.. وغيرهم من تتلمذوا في مدرستك وتحت كنفك ، تماماً كما تحتفظ السلة الأثرية، بنقوشها، وأحرفها.
اليوم تبكيك عيلبون وعكا وسائر الجليل ، كما تبكي الفرس الأصيل فارسها , اليوم يبكيك الجبل الأشم اذ هجرت الطيور ربوعه واصفرت اشجاره قهراً ووجعاً على رحيلك المفاجىء ، اليوم تبكيك اشجار الزيتون ودموعها تتساقط زيتاً نقياً على فراقك يا أبا الجبل ، اليوم تبكيك الحروف يا رجل القامة والهامة والذي تعجز الأبجدية عن إيفائه حقه مهما كتب من كلمات وسطور.. فوداعاً اياها الخال ، وداعاً ايها الفارس النبيل الذي ترجل تاركا عائلة رائعة تزهو وتفتخر بما حققه من إنجازات طيله مسيرتة الثقافية والتربوية.
الطريق نحو الجبل ، طريق الطفولة ما زال ينتظر مرورك الصباحي ، هو لا يعلم أنك رحلت .. أنك قد مضيت.. أنك لن تعود .. أنك استكملت رحلتك لجنان الرب يسوع , هو ينتظر ها ذاك ، تماماً مثل اشتياق احبتك لفنجان قهوة صباحي بحضورك المهيب ، للمسه يدك الدافئة ، لقبله منك على الجبين ، لسلام اخير ..
سلاماً ايها الخال ، سلاماً ايها الإرث الرائع، مع الابرار والقديسيين .
الراحة الأبدية أعطه يا رب ونورك الدائم فليشرق عليه.
الدكتور أشرف الياس.
[email protected]