تصارع وسائل إعلام لبنانيّة، باختلاف تفرعاتها؛ المرئية، والمكتوبة، والمسموعة، من أجل البقاء، بعد توقف عدد منها عن الصدور، وتعثر غالبيتها بتسديد رواتب موظفيها، في زمن يشهد قطاع الصحافة تدهورًا جديًا، ووصل ذروته مع سوء الوضع الاقتصادي في البلاد، والتي اعتبرت الحالة الأسوأ في لبنان منذ عقود.
ولم يسلم الإعلام المحلي من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي دفعت مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع ضد الطبقة السياسية، آخرهم صحيفة "الدايلي ستار"، الوحيدة الناطقة بالإنجليزية في لبنان، التي أعلنت يوم الثلاثاء، عن "تعليقًا مؤقتًا لنسختها الورقية".
وبرّرت الصحيفة التي تأسست قبل 68 عامًا، قرارها بـ"التحديات المالية التي تواجه الصحافة اللبنانية والتي فاقمها تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد". وقالت إنه جاء بعد "تراجع في عائدات الإعلانات إلى حدّ توقفها في الربع الأخير من العام 2019، كما في شهر كانون الثاني/ يناير من العام الحالي".
وخلال الأشهر الماضية، أفاد موظفون في الصحيفة عن عدم تلقيهم رواتبهم. وذكر صحافي أقيل من منصبه نهاية العام الماضي، إن الصحيفة تدين للبعض برواتب ستة أشهر. وسبق للصحيفة أن أغلقت أكثر من عشرة أعوام خلال الحرب الأهلية، قبل أن تعاود الصدور عام 1996.
ويشهد قطاع الصحافة في لبنان منذ سنوات أزمة متمادية ترتبط بشكل أساسي بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام، عدا عن ازدهار الصحافة الرقمية وتراجع عائدات الإعلانات.
وخلال السنوات الماضية، استغنت مؤسسّات عدة عن عاملين فيها، كما توقّفت صحف عريقة عن الصدور، أبرزها صحيفة "السفير" نهاية العام 2016 جراء مصاعب مالية بعد 42 عامًا من تأسيسها.
لكن معاناة وسائل الإعلام تضاعفت مؤخرًا نتيجة انهيار اقتصادي متسارع منذ أشهر، وسط شحّ في السيولة ومخاوف من عدم تمكن لبنان من سداد جزء من الدين العام المتراكم والذي سيستحق قريبًا، بالتزامن مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.
وتمتنع وسائل إعلام عدة لا سيّما القنوات التلفزيونية عن دفع رواتب موظفيها كاملة. واقتطع بعضها نصف الرواتب بينما دفعت إحدى القنوات ثلث رواتب موظفيها، بانتظار تحسّن الوضع، وفق ما أكد صحافيون وموظفون.
وقال صحافي في جريدة النهار، إنه "لم نتقاض رواتبنا منذ خمسة أشهر". وأوضح موظف في قناة تلفزيونية بارزة أن مؤسّسته دفعت الشهر الماضي نصف قيمة الرواتب، لكنها وعدت بإكمالها لاحقًا.
وفي نهاية الأسبوع، توقّفت إذاعة "راديو 1" الناطقة باللغة الإنكليزية، عن البثّ بعد نحو 40 عامًا من انطلاقها. كما توقفت مجلة "إيبدو" الناطقة بالفرنسية والتي تأسست في العام 1956 نهاية العام الماضي عن الصدور.
وتقول موظفة في المجلة إنه "كانت المصارف وشركات التأمين تُشكل الجزء الأكبر من ناشري الإعلانات لدينا"، وتراجعت هذه الإعلانات بشكل كبير مؤخرًا.
وأعلنت المؤسسة اللبنانية للإرسال "إل بي سي" نهاية الشهر الماضي أنها "ستنتقل من البثّ المجّاني المفتوح إلى البثّ المشفّر قريبًا"، ويتوجّب على المشاهدين دفع مبلغ مالي لمشاهدتها.
ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية، أيمن مهنا، إنّ "أزمة الصحافة اللبنانية بنيوية، لكن الوضع الاقتصادي الحالي فاقمها".
ويضيف أنه "ما يحصل ليس مفاجئًا كون النموذج الاقتصادي لغالبية وسائل الإعلام اللبنانية هو التمويل السياسي الذي لم يعد متوفرًا، فضلًا عن سوق الإعلانات المحدود". وحذّر مهنا من أنه "إذا استمرت الأزمة الحالية، فإن وسائل إعلام أخرى ستقوم حتمًا بالأمر ذاته".
[email protected]