سيطرت قوات الجيش الثلاثاء على الجزء الأكبر من مدينة معرة النعمان، الاستراتيجية وثاني أكبر مدن محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، بعد تطويقها بالكامل إثر أيام من الاشتباكات والقصف العنيف.
وتشهد محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، والتي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين، منذ كانون الأول/ديسمبر تصعيداً عسكرياً لقوات الجيش وحليفتها روسيا يتركز في ريف إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.
وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب وأجزاء محاذية لها في حماة وحلب واللاذقية رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنشط فيها فصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً.
وتمكنت قوات الجيش خلال الأيام الماضية من السيطرة على 23 قرية وبلدة في محيط معرة النعمان، الواقعة على الطريق الدولي، لتطبق الحصار عليها تدريجياً.
وأوضح مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس “تمكنت قوات الجيش من السيطرة على أكثر من نصف مدينة معرة النعمان بعد وقت قصير من اقتحامها”، مشيراً إلى أن اشتباكات محدودة مستمرة داخلها بعد انسحاب معظم مقاتلي الفصائل منها.
وبلغ عدد سكان معرة النعمان، التي سيطرت عليها الفصائل المعارضة في العام 2012، قبل أربعة أشهر 150 ألفاً إلا أنها باتت اليوم شبه خالية جراء موجات النزوح التي شهدتها، بحسب المرصد.
وأفاد مراسل لفرانس برس زار معرة النعمان قبل أيام قليلة أنها تحولت إلى مدينة أشباح تنتشر فيها الأبنية المدمرة أو المهجورة.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن “وحدات الجيش حررت معظم أحياء مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي وبدأت عمليات تمشيطها”. كما أشار التلفزيون الرسمي إلى أن وحدات الجيش قطعت “طرق إمدادات الإرهابيين وخطوط دفاعاتهم” قبل أن تتقدم داخل المدينة.
– تحذير تركي –
وبالتوازي مع التقدم باتجاه معرة النعمان، تخوض قوات الجيش اشتباكات في مواجهة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في ريف حلب الغربي، حيث يمر أيضاً الطريق الدولي.
وحذرت وزارة الدفاع التركية، والتي تنشر 12 نقطة مراقبة في إدلب، من أنها سترد “بدون تردد في إطار الحق المشروع في الدفاع عن النفس على أي محاولة تهديد” لتلك النقاط.
وأفاد المرصد السوري الإثنين أن قوات الجيش حاصرت نقطة مراقبة تركية في قرية معر حطاط جنوب معرة النعمان، لتكون بذلك ثالث نقطة مراقبة تركية يتم حصارها من قبل قوات الجيش خلال عملياتها العسكرية في المحافظة.
وتطرق لقاء جمع الرئيس السوري بشار الأسد الإثنين بالمبعوث الخاص لروسيا إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الى التطورات في حلب وإدلب، حيث “كان هناك اتفاق على أهمية العمليات التي يقوم بها الجيش العربي السوري بدعم روسي” لوضع حد لـ”الاعتداءات الإرهابية”، وفق ما نقل حساب الرئاسة السورية على تطبيق تلغرام.
ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة في العام 2015، تصعد قوات الجيش بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشن هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادة بالتوصل الى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا.
وسيطرت قوات الجيش خلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة اوخر آب/أغسطس على مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، أبرزها بلدة خان شيخون الواقعة أيضاً على الطريق الدولي.
ويرى مراقبون أن قوات الجيش تسعى من خلال هجماتها الأخيرة في إدلب إلى استعادة السيطرة تدريجياً على الجزء الذي يعبر إدلب وغرب حلب من هذا الطريق، لتبسط سيطرتها عليه كاملاً.
– نزوح –
ودفع التصعيد منذ كانون الأول/ديسمبر بـ358 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة وخصوصاً معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمناً شمالاً، وفق الأمم المتحدة. وبين هؤلاء، 38 ألفاً فروا بين 15 و19 كانون الثاني/يناير، غالبيتهم من غرب حلب.
ولجأ كثيرون إلى مناطق شمال معرة النعمان بينها مدينة سراقب ومحيطها، إلا أنهم أجبروا مجدداً على النزوح مع اقتراب التصعيد العسكري منهم.
وفي بلدة حزانو قرب الحدود التركية في شمال إدلب، شاهد مراسل لفرانس برس الثلاثاء عشرات الشاحنات لنازحين فروا من جنوب إدلب، وقد حملوا معهم حاجياتهم من فرش وأغطية وسجاد.
انضمت معرة النعمان في العام 2011 إلى حركة الاحتجاجات ضد الجيش في سوريا. وتحولت تدريجياً بتظاهراتها الضخمة إلى أحد رموز الاحتجاج في محافظة إدلب.
في تشرين الأول/أكتوبر العام 2012، سيطرت الفصائل المعارضة على المدينة، التي تُعرف بمتحف الفسيفساء الضخم حيث مئات اللوحات التي تعود للعصرين الروماني والبيزنطي.
وكان للمدينة حصتها من دمار طال أثارها، ففي شباط/فبراير العام 2013، عمد مقاتلون إلى قطع رأس تمثال للشاعر العربي الشهير ابو العلاء المعري (973-1057)، المتحدر منها.
[email protected]