وسط ارتفاع الحديث في واشنطن عن جهود حثيثة تقوم بها الولايات المتحدة لقطع الطريق على المساعي الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة، نظم "مجلس سياسة الشرق الأوسط" الأربعاء مؤتمراً تحت عنوان هل فشلت سياسة الولايات المتحدة في تحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي؟" شارك فيه أربعة من أكثر الشخصيات معرفة بتفاصيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والسياسة الأميركية عبر السنين (منذ عام 1967 وحتى الان) بحسب قول المجلس.
والمحاضرون الأربعة الذين شاركوا في هذه المناظرة هم يوسف منير، المدير التنفيذي لـ"مركز فلسطين"، المركز العربي البحثي الوحيد في العاصمة الأميركية، ودانيال كيرتزر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى كل من إسرائيل ومصر، والذي انخرط في مساعي السلام الأميركية بشكل مباشر منذ انطلاقها في مؤتمر مدريد عام 1991، والباحث الإسرائيلي ناثان ساكس الذي يعمل حالياً في معهد "بروكينغز"، وماثيو داس، رئيس "مؤسسة سلام الشرق الأوسط" في واشنطن.
ورغم الاسلوب الاكاديمي والهدوء النسبي الذي اتسم به المشاركون الاربعة إلا أن الانقسام كان واضحاً حيث اتخذ كل من كيرتزر وساكس موقفاً مدافعا عن إسرائيل وحقها في "الدفاع عن النفس" وخطأ التركيز على الاستيطان في عملية السلام، في حين فند يوسف منير وماثيو داس الإدعاءات الإسرائيلية "والمدافعين عنها مهما فعلت خاصة في ضوء استشراء الاستيطان والحرب التي شنتها على غزة الصيف الماضي.
وبدا التناقض صارخا منذ البداية بين "الرمزية في عملية السلام لاجاز السلام الفعلي" حيث أشار مدير المؤتمر ومدير مجلس سياسة الشرق الأوسط، الدكتور عمر قادر وهو أميركي من أصل فلسطيني أن 7 جوائز نوبل للسلام قدمت لمن لهم علاقة بصراع الشرق الأوسط بداية من رالف بنش عام 1950 وحتى الآن، وأن اثنين من هؤلاء تم اغتيالهم هم أنور السادات وإسحق رابين.
بدوره قال يوسف منير، الذي كان آخر المتحدثين وأبلغهم حضوراً: "الرد على السؤال: هل فشلت الولايات المتحدة في تحقيق السلام؟ أقول نعم فشلت الولايات المتحدة خاصة لما نراه من واقع".
وأوضح منير: " كي نجيب على هذا السؤال علينا أن نحدد ما تريده الولايات المتحدة وهو يتمثل بأمرين هامين هما:
اولا: ضمان النفط، وثانيا: ضمان وجود وأمن إسرائيل، وأنه ليس صحيحاً أن الولايات المتحدة تعطي تحقيق السلام الأولوية القصوى، فحقيقة موقفها تقوم على انها إن تمكنت من تحقيق السلام فهذا أمر جيد، ولكن الأولوية هي ضمان أمن إسرائيل وفق المعايير والتعريف والمطالب والأجندة الإسرائيلية".
واستشهد منير بمفاوضات التسعة أشهر التي انتهت بفشل كبير في نيسان الماضي بسبب التعنت الإسرائيلي وغياب المرونة أو "الوفاء بالتعهدات" سواء تلك التي تعطيها إسرائيل أو تلك التي تعطيها الولايات المتحدة للفلسطينيين مهما كانت متواضعة حيث "تغير الموقف الأميركي من التوصل لصفقة سلام في بداية المفاوضات في آب 2013 الى التوصل لاتفاق أطار، وثم إلى اتفاق مبادئ وصولا الى لا شيء"، كون إسرائيل لا تريد إعطاء اي شيء.
وقال منير، أن الرئيس الفلسطيني محمودعباس كان يعرف أن "هذا السياق بهذه التركيبة الحكومية الإسرائيلية لن ينتج شيئا، ولذلك اشترط إطلاق سراح 104 أسرى وهم الذين تم الاتفاق على إطلاق سراحهم في عام 1999 كي يظهر إنجازاً عند انتهاء المفاوضات بالفشل كما كان يتوقع" ولكنهم (الإسرائيليون) لم يوفوا بتعهداتهم في اللحظة الأخيرة كما كان متوقعاً أيضاً.
واشار الى ان إطلاق سراح الأسرى كان تعهداً شخصيا وضماناً شخصياً تقدم به كيري للفلسطينيين "الذي لم يتمكن بعد 20 عام من اتفاق أوسلو من الاحتفاظ بتعهده لإطلاق الأسرى، بينما في الوقت نفسه يصر كيري على أنه يجب على الفلسطينيين أن يقتنعوا بأن أميركا قادرة على إقناع إسرائيل بتفكيك المستوطنات وإنهاء الاحتلال والقضايا النهائية" مذكراً مستمعيه بأن "لا حاجة للحديث عن "اتفاق إطار كون أن هناك اتفاق إطار مثالي موجود في القانون الدولي".
وانتقد منير التغاضي الأميركي الرسمي من قبل إدارة الرئيس أوباما عن قتل المدنيين، مستشهداً انه "في عام 2002 قامت إدارة بوش بإدانة مقتل 17 من أعضاء عائلة، وهو ما لم يفعله أوباما، فيما كان العالم يرى ذلك يوميا في الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة الصيف الماضي".
وحذر منير من أن "الوضع العنصري الحالي (أبرتايد) هو ثمرة الجهود الأميركية" مؤكدا أنه لم يبق أمام العالم في مواجهة التعنت الإسرائيلي والحماية الأميركية لهذا التعنت إلا عزل "الدولة الإسرائيلية" خاصة وأن الرئيس أوباما لا يستطيع أن ينافس الكونغرس في دعم إسرائيل، ولن يستطيع تغيير الموقف العام للشعب الإسرائيلي الذي إما يؤيد باغلبيته سياسات الفصل العنصري والاحتلال والاستيطان، أو يتصرف وكأنها لا تعنيه" . ولذلك "فقط خطر العزلة قد يحفزهم لاتخاذ قرار بإنهاء الاحتلال".
وركز دانيال كيرتزر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل ومصر، على انه "مهما حاول البعض التغاضي عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو التقليل من أهميته في ضوء الصراعات المتعددة في المنطقة ، فإن هذه القضية لن تذهب، ولا بد أن يستمر الدفع بقوة للتوصل إلى حل لهذه القضية" مستشهداً بما أشيع عن قول الرئيس المصري السيسي لبنيامين نتنياهو: "إن الطريق إلى بغداد تمر من القدس" مشيرا الى أنه ورغم عدم اتفاقه مع هذه المقولة "إلا أنها تشير لطبيعة الشعور في المنطقة" بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الأساس.
وقال كيرتزر: "علينا أن ننظر إلى عدة دروس مستقاة وهي:
الدرس الأول: "تحديد الإستراتيجية قبل تحديد التكتيك، وبناء الثقة في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة" مؤكدا أنه "رغم أن الاستيطان قضية مهمة جدا وجدية تماماً، فيجب أن لا تتحكم في مصير السلام كون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيدفع ثمن التجميد" ولا بد من إعطائه مجالا للمناورة.
أما الدرس الثاني، بحسب كيرتزر فهو: "علينا أن نتحرك من فوق إلى تحت في عملية السلام، وان نبتعد عن تحديد طبيعة الاتفاق كما يروج البعض منذ البداية، كون السلام في الوقت الراهن غير ممكن، ولذلك علينا ان نسعى لتحسين حياة الفلسطينيين، مع معرفة أنه من المستحيل العيش حياة أفضل دون أن يعرف الفلسطينيون أن هناك ضوء في نهاية نفق الاحتلال لإنهائه". اما الدرس الرابع فهو: "أنا قلت منذ بداية حرب الصيف الماضي أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار بشكل حتمي، فهذه هي القصة الدائمة، والآن نتحدث عن إعادة بناء غزة بمبلغ 5.4 بليون دولار، وأقول أننا دائماً نتعامل مع النتائج الجسدية للحرب (الدمار) ولا ننتبه للمسببات وجذور الأزمة وهذا وصفة للفشل".
واعرب كيرتزر عن أنه سيكون هناك انتفاضة ثالثة في المستقبل و "إن كنا لا نرى بوادرها بعد، ولذلك فإن الدرس الرابع لكيرتزر يقتضي وضع معايير للأطر والرقابة، الرقابة بمعنى إمكانية الولايات المتحدة لمنع الفلسطينيين من العنف، ومنع الإسرائيليين من بناء الاستيطان، حيث انه لم يكن هناك مساع جدية للقيام بذلك فعلاً. لم نفعلها ولم نحمل الطرفين مسؤوليتهما وبالتالي لم يلتزما".
وأنهى كيرتزر حديثه قائلا: "إذا قررت الولايات المتحدة وضع رؤيتها وشروطها للحل السلمي، فانه قد لا يكون هناك مفاوضات وهذا أمر ليس بالضرورة سيء" مؤكداً: "أنا لم أيأس بعد ولكننا هنا في الولايات المتحدة لم نتعلم الدروس بعد، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تكن أبداً جدية في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، مقترحاً الاقتداء بالاتحاد الأوروبي الذي يرفض استيراد البضائع من الأراضي المحتلة (المستوطنات) فبإمكاننا أن نفعل شيئا مماثلا، وكذلك القوانين المعقدة التي تسمح بمساعدة المستوطنات بأموال دافع الضرائب الأميركي، إلى جانب ضمانات القروض لإسرائيل حيث وضعنا قانونا يقتضي أن نقتطع دولار بدولار لكل ما يذهب لدعم المستوطنات ولكننا لا ننفذ".
من جهته، قال الإسرائيلي ناثان ساكس: "نعم، لقد فشلت الولايات المتحدة، الإجابة على هذا السؤال بسيطة، لأننا لم نتوصل إلى حل نهائي بعد، ولا نعرف حقيقة ماذا سيكون ثمن عدم التوصل لسلام" مستبعداً التوصل لاتفاق في الوضع الراهن"خاصة وأن هناك زعيمان (عباس ونتنياهو) يعرفان بعضهما جيداً، ولا يثقان يبعضهما البعض على الإطلاق".
وادعى ساكس أن الفلسطينين (رغم حرب الصيف الماضي) ما يزالون يؤمنون بحل الدولتين كحل أمثل على الرغم من أنهم يعتقدون في الوقت ذاته أن ذلك بات مستحيلاً".
ويقول ساكس ان "الفلسطينيون يرون في الاستيطان المعضلة الأكبر كونه يبدو وكأنه لا ينتهي فيما يعتقد الأميركيون أن رئيس السلطة الفلسطينية عباس غير قادر أو غير مستعد لأخذ القرارات الصعبة" معترفاً أن استمرار الاحتلال والاستيطان لا يعقد العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية فقط بل يعقد العلاقة بين الأغلبية والأقلية الإسرائيلية".
وانتقد ساكس عملية المقاطعة ووصفها بـ "السلبية كون أن القائمين عليها لا يمارسونها من أجل التوصل لحل الدولتين، خاصة وأن هذه المجموعة نفسها هي التي تتحدث بصلابة عن حق العودة وليس فقط وقف الاستيطان-أنهم يقاطعون إسرائيل وليس المستوطنات فقط".
واعترف ساكس أن الإسرائيليين "أمضوا حياتهم في محاولة إثبات أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس الصراع الأساسي الذي تتفرع عنه معظم الصراعات القائمة، خاصة إيران والملف النووي" مشيرا الى أن ذلك يثبت الآن حيث " ان العالم العربي في وضع ملتهب ومجازر وتدمير في العراق وسوريا وهذا ليس له علاقة بإسرائيل".
واضاف ساكس: "كان لا بد لإسرائيل أن تكون الدولة الأولى التي تعترف بفلسطين دون التنازل عن أي من مطالبها الأمنية"مقراً بالاتجاه الإسرائيلي نحو اليمين والشعور المفرط بـ" ان العالم كله ضدنا، بينما في الحقيقة فان الإسرائيليين لم يطوروا في عقولهم تصور لطبيعة الدولة الفلسطينية" .
وقال ماثيو داس، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط "نعم لقد فشلت الولايات المتحدة في التوصل لاتفاق سلام، حيث وضع أوباما في بداية دورته الأولى كرئيس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على اولوياته وعين مبعوث سلام جديد، ولم يتمكن من التنفيذ كونه اصطدم باستمرار بطبيعة الحكومات الإسرائيلية التي تعتقد ان الوضع الراهن ليس فقط مستدام، ولكن على الولايات المتحدة أن تلتزم باستدامته، وهو ما كرره اليوم وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون الذي قال هذا هو الواقع والمطلوب من الفلسطينيين التعايش معه".
وأشار داس إلى أن "استمرار الاستيطان هو عقبة حقيقية تسد طريق المساعي الأميركية ولا تفعل الولايات المتحدة شيئاً لتغييرها كون أولوية إسرائيل تكمن في الإبقاء على الاستيطان وأن هذا الوضع لن يتغير إلا في حالة اتخاذ الولايات المتحدة قراراً بمواجهة إسرائيل في هذه القضية".
وحذر داس من أن "مفهوم أن الموقف الأميركي المؤيد بالكامل لإسرائيل هو شرط لتحقيق السلام هو موقف خاطئ".
وحول المفاوضات، حذر داس قائلاً: "لناخذ العبرة من المفاوضات بالنسبة للملف النووي الإيراني، فرغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران من أجل إغرائها للتفاوض من أجل التخلي عن مشروعها الا ان الأمر لا يعجب نتنياهو الذي يقول: /توخوا الحذر كي لا تستغل إيران المفاوضات من أجل تمرير مشاريعها/ إنه (نتنياهو) يعي ما يقوله كونه استخدم هذه الإستراتيجية للإمعان في الاستيطان".
[email protected]