تُعتَبر "استعارة" فرقة "توركواز" الإسرائيلية لحن أغنيات فيروز وترجمة الكلمات الى العبرية، محض تعدٍّ على حقوق الملكية، وإن حمّلها بعضهم اسقاطات سياسية، جُزِم بالتطبيع الثقافي. لا لأوساط الحلول عندما يتعلّق الأمر باسرائيل. تنهار التيمة الفنية المتورِّطة في صناعة المقطوعة، فيُنظَر الى المادة المغنّاة كخطاب يتوعّد العرب.
الفن "الخبيث"
ساذجٌ الظنّ بـ"صفاء النيات" الإسرائيلية حيال شؤون العرب، فإن زعمت "توركواز" (حجر الفيروز)، على صفحة "إسرائيل تتكلّم بالعربية" عبر "فايسبوك"، بأنّ "التقارب الثقافي يبشّر خيراً للمنطقة، ويدلّ الى استعداد الاسرائيلين الاندماج في الجوار الثقافي، ولو جزئياً"، فهي بذلك تستفزّ العرب بثقافتهم ولغتهم أيضاً. تقتطف الصفحة من الذاكرة العربية صوتاً غنّى لفلسطين والقدس، وتُعرّضه لاحتمال أن يصبح "من حقّها". يمسي تهريجياً، في حال إسرائيل، التوهّم بأن ما للفنّ للفنّ وما للسياسة للسياسة. ذلك أنّ ترجيح "براءة" الفرقة من الوحشية، ومتابعتها الشقّ الفني من أحوال العرب دون حروبهم مع دولتها، بمثابة إضفاء ذرائع على سلوك لا يبدو عفوياً، لا سيما أنّ إنجاز "المشروع" قوامه التعدّي (المتعمّد) على حقوق الملكية الفكرية. يقطع استنكار ورثة الأخوين الرحباني ما حصل، ودعوتهم الدولة اللبنانية الى التحرّك، احتمال "شرعنة" الأغنية ("سألوني الناس"، "يا كرم العلالي"...) انطلاقاً من كون "التبادل الثقافي" دليل انفتاح. مقاربة "المبادرة" الإسرائيلية بغير "المقاطعة" ردٌ خبيث، إذ لا يقلل اعتبار السياق فنياً حجم "التهديد" الكامن في الأعماق.
"شاءلو أوتي" و"الأسطورة اللبنانية"
تتجنّب الصفحة الترويج لسياسة الكراهية المُنتَهجة إسرائيلياً تجاه العرب، مُستبدلة "بوستاتها" بما يُبيِّن الدولة العبرية "كياناً مُسالماً". يقع الخيار على "إعادة إحياء" المقطوعة الفيروزية المُحمَّلة "يوتيوبياً" في الـ2013 من غير أن تلاقي مساحة من الحضور والجدل. يستنهض عرضها خطر "تهويد" فيروز كرمز للأغنية العربية غير المُهادنة، المُرابضة في مقاومة المحتل بالنبرة العالية. "تهويد" فيروز بمثابة "تهويد" الثقافة والذاكرة، فإن "سيطرت" إسرائيل عليها، "استوطنت" العقل العربي "المُقاوِم" سلمياً، رغبة في خرق الملاذ الأخير غير القائم على الأحقاد.
لا "تُقلل" الصفحة "الفايسبوكية" شأن فيروز، تصفها بـ"الأسطورة اللبنانية"، مُتعمِّدة لغة لا "تستفزّ" العرب شكلياً، لكنّها في الجوهر مُستفزَّة. لعلّها سذاجة التسليم بـ"تقدير" إسرائيل قيمة فيروز وأسطرتها، فتاريخها في الهمجية والعداء يفضح لاعشوائية اختيار أغنياتها، كأنها تجاري العرب بواقعية كون فيروز أيقونة، وتهزّأ بهم في الآن عينه لتمكّنها من "القبض عليها" و"إخضاعها" من غير أن تكترث لما قد يفعله العرب. فـ"سألوني الناس" تصبح "شاءلو أوتي"، كأنها مُستوطنة جديدة تُبنَى، أو أسرى يُرمون في الظلمة، أو رصاصة تخترق قلب طفلة.
اغتصاب الدهشة
يشرح المحامي نصري براكس الجانب القانوني لتطاول الفرقة الإسرائيلية على جماليات فيروز. يذكّر بأنّ قانون حماية الملكية الفكرية "لا يسمح باستعمال أي أثر فني (أدب، مسرح، سينما، أغنية...) بغية الاستغلال التجاري المباشر وغير المباشر، باستثناء غايات البحث العلمي". يعتبر القانون القضية "حقاً شخصياً"، فـ"الأثر لا يدخل حيّز الحق العام ما لم يمرّ على وفاة جميع ورثته 50 عاماً. أمرٌ لا ينطبق على أغنيات فيروز، مما يسحب من الدولة واجب التحرّك ما لم تُكلَّف من الجهة المعنية". "السرقة موصوفة"، يجزم براكس، مقوِّضاً نقاشاً يتّجه للفصل ما بين القانون والفن في هذه الحال تحديداً. "العلاقة مع العدو" إشكالية، وقنوات رفع الشكوى ضدّ إسرائيل مثار جدل، فـ"القضية ليست في الحق الشخصي الثابت، بل في كيفية تحصيله عبر أجهزة الأمم المتحدة المتعلّقة بحماية الملكية الفكرية". يختم بغصّتنا جميعاً: "تغتصب إسرائيل الأرض والماء، وتخترق السيادة بحراً وجواً، واليوم تغتصب الكلمة واللحن. ذلك لم يعد مدهشاً".
[email protected]