لا يبدو ان كلام رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك، معزيا ذوي الجندي الشهيد عباس مدلج، بعدم الاعتداء على اللاجئين السوريين، قد لقي استجابة كاملة في الشارع الشيعي البقاعي. اذ ان اللاجئين السوريين، في مخيمين على الاقلّ في منطقة شيعية في قضاء زحلة، تلقوا، منذ الاعلان عن ذبح الشهيد مدلج على يد تنظيم "الدولة الاسلامية"، تهديدات من قبل مجهولين تدعوهم للمغادرة لان وجودهم في المنطقة لم يعد مرغوبا به. لم ينتظر هؤلاء ليعرفوا ما ان كان الشبان سينفذون تهديدهم، بل باشروا بتفكيك خيمهم ايذانا بالنزوح، تحدوهم المرارة من كونهم يدفعون ثمن صراع لا دخل لهم فيه، بل هم اول ضحاياه مرة اولى في بلادهم ومرة ثانية في بلد اللجؤ.
في مخيم حوش الغنم، تغفو ولاء الرضيعة ابنة الـ 25 يوما، في قفص بلاستيك حوّله لها والدها ارجوحة، وتلهو حولها شقيقتيها آلاء وزهراء، فيما ينشغل والدهن بتفكيك الخيمة التي تأويهن مع والدتهن. "يا ليتنا متنا" يقول والد الفتيات الاربع، مضيفا "ملعونون نحن لاننا ولدنا سوريين". الرجل لا يعلم الى اين الرحيل، كل ما يعرفه بانه عليه ان ينفذ بروحه وارواح عائلته، بعد ان تعرض سكان المخيم ليلا لمضايقات، واطلقت النيران في الهواء من سيارات عبرت الطريق المحاذي لمخيمهم، ثم عادت وتكررت الدعوة لهم بالرحيل نهارا من قبل شبان يستقلون سيارات رباعية الدفع. مثله كانت تقوم عائلات اخرى بتفكيك خيمها، تستوقفنا سيدة مسنّة تسألنا "اعجبتكم هذه البهدلة" مشيرة الى الخيم، مضيفة "والله نحن كنا نرضى بها لو انهم يتركوننا نبقى في المخيم". وتعقب قريبتها على كلامها "نحن احياء اموات". يواصل رجل نقل متاع خيمته وهو يحدثنا "كنا نظن اننا في لبنان بامان، لم يعد لنا سوى ربنا" ويضيف غاضبا "لكن اين هو؟".
المشهد نفسه تكرر في مخيم على تخوم بلدة علي النهري، تفكيك للخيم ومرارة وشعور بالظلم، نسأل شابا يحمّل اغراض عائلته في بيك – اب "الى اين الرحيل؟" فيجيبنا "الى جهنم". فيما يشكو آخر الظلم الواقع عليهم "نحن ماذا فعلنا لهم؟ لو كنا نريد ان نقاتل كنا بقينا في بلادنا وقاتلنا. الجيش دهم المخيم قبل ايام وفتشه ولم يعثر على قطعة سلاح". وكانت نحو 7 سيارات يستقلها شبان قد توقفت ليلا قرب المخيم، على ما روى سكانه، امطروهم بالشتائم، رشقوهم بالحجارة قبل دعوتهم للمغادرة.
وجهة نزوح هؤلاء اللاجئين السوريين هي البقاع الغربي، منهم من يعرف تماما مقصده ومنهم من لا يعرف. يقولون "واذا لم نجد مكانا فسنعود الى سوريا، كلها موتة". وعندما تسألهم لماذا البقاع الغربي الانهم سيشعرون هناك بانهم في بيئة اكثر امانا؟ يجيب رجل بمرارة "ومن يضمن اذا خطف لهم احد بالا يطردوننا هم ايضا".
ما عادوا يشعرون بالامان حد ان شاويش المخيم الاول، تحجج بانهم يغادرون لان عقد ايجار الارض التي اقاموا عليها المخيم قد انتهى، فيما قال شاويش المخيم الآخر بان الجيش كان قد طلب منهم قبل 10 ايام اخلاء الارض لقربهم من ثكنة له، وكلاهما لم يتمكنا من تبرير هذا الرحيل على عجلة في وقت لم يجدوا مستقرا آخر.
بعدما استنجدوا من دون جدوى باهل المنطقة ومعارفهم ممن يعملون لديهم في الزراعة والبناء لايجاد مخرج لهم سيما وان التضييق عليهم سبق استشهاد الجندي مدلج، تعلقوا بحبال الصحافيين، لا يدرون باننا كنا اكثر خوفا منهم بان تعود تلك السيارات التي حدثونا عنا وتضبطنا متلبسين نسمع شكاويهم. "ماذا يمكن ان تفعلوا لنا؟" سألونا، "نرفع صوتكم" قلنا لهم الى الشيخ يزبك، الى الامم المتحدة، فهؤلاء لا يطلبون سوى الحماية.
[email protected]