أمام القيّمين على المسلسلات تقديم المنتَج أو تقويمه، أما أن يستوي الفعلان، فذلك محال. تجزم المحطة بتفوّق المسلسل، فارضة رأيها الساذج. إعلانات ترويجية تُضخِّم المُنتَج، لتفضح الحلقات علاقة جدلية بين المُشاهد والخيبة.
يتحوّل المُشاهد إزاء الطفرة المسلسلاتية من صفته التفاعلية المُحقَّقة عبر المُشاهدة نحو صفته الاستهلاكية بفعل تكدّس المُنتَج. يستهدفه المسلسل في اعتباره زبوناً أو مصدراً للربح عبر إعلان ترويجي بنيته تجارية. مفردات يتناقلها مروّجو المسلسل، غايتها الرسوخ في المُشاهد وإقناعه بـ"جودة" (نوعية) المادة عبر المبدأ عينه: التكرار. بلغة ركيكة، يُفرِّغ "سرايا عابدين" ("أم بي سي") المُشاهد نفسياً من النقد، ويملأه بصيغة دعائية مناسبة لـ"شراء" المنتَج. العمل نسخة سيئة من "حريم السلطان"، غايته تأجيج الغريزة بسرد حكاية الحريم والحاكم. صفحة الكترونية فخمة (تكريساً للبُعد الاستهلاكي)، تلخّص باستخفاف مُتعمَّد غائيته التجارية: "سرايا عابدين"، أكبر عمل درامي عربي الى اليوم ضخامة انتاجية وتقنيات تصوير بالتعاون مع إحدى أكبر شركات هوليوود قد تغيّر مفهوم الإنتاج التلفزيوني في العالم أجمع (!)". تصبح ركاكة اللغة "زلّة" عابرة أمام مضمون يجزم وقوع المتلقي ضحية الدعاية. تتبرّأ اللغة من تزلّفها إعلانياً في غير أعمال، فيُروَّج لـ"باب الحارة 6" و"صاحب السعادة" ("أم بي سي"، "أل بي سي آي") مشهدياً بصور مُكثَّفة يعلو فيها الصراخ والتشويق، عوض الضخّ الكلامي. تستبدل صفحة "صاحب السعادة" الالكترونية عبر "أل بي سي آي" اسم البطلة لبلبة باسم آخر (نشوى مصطفى!)، مُخلِّصة العمل من اعتباره "هالة" عبر سرد ملخصه بلا مقدّمات. ينسحب التضخيم المشهدي على أعمال مثل "السيدة الأولى" و"حلاوة الروح" ("أبو ظبي الأولى") بظهور غادة عبدالرازق مُؤلَّهة في الأول، والحرب السورية طاحنة في الثاني، أو "فرق توقيت" ("النهار") عبر عيون تطارد تامر حسني. هنا، يمكن التنبه الى خطّ دعائي واحد تعتمده القناتان: التركيز على الإبهار بصرياً، والاستغناء شبه التام عن مفردات من نوعية "أضخم إنتاج" أو "أكبر إنتاج" أو "المسلسل الأول". أما "أو أس أن" فسوَّقت لـ"سيرة حب" مستغلّة نجاح بطلته سيرين عبد النور في "لعبة الموت" (رمضان 2013): "من منتجي مسلسل لعبة الموت، تطلّ علينا سيرين عبد النور...". صادرت "المستقبل" رأي المُشاهد بالملخّص عبر صفحة "كلام على ورق" (تعرضه "أم بي سي دراما" و"النهار"، وتروّجان له بلا إضافات لغوية). حسمت المحطة أنّ العمل "منتظر"، و"جميع العناصر الفنية المرتبطة به مكتملة". وجزمت أنّه سيحظى "من دون شك (!) بمتابعة واسعة من أهل الصحافة والجمهور في مختلف الدول العربية". تتذكّر أنها حتى الآن لم تدخل صلب الموضوع، فتشرح: "المسلسل المتميّز (!) يروي...". تتابع اللغة ذات المضمون الفارغ سطوتها دعائياً. تقرر "أم تي في" نيابة عن المُشاهد أنّ "لو" (تعرضه "أم بي سي دراما" و"أو أس أن"، وتروّجان له من غير بهرجة) "من أضخم انتاجات الدراما العربية" (سياقه أثبت العكس)، وأنّ "عشرة عبيد صغار" يستعيد "أبرز وأنجح مسلسلات الزمن الذهبي للتلفزيون اللبناني" (الأمر صحيح لجهة استعادة اسم المسلسل وطبيعته فحسب). وجدت "الجديد" أن تُذكّر الجمهور بأنّ "اتهام"، بحسب معطياتها، "المسلسل الحاصل على أعلى نسبة مشاهدة" (لا توليه "أبو ظبي الأولى" و"النهار" التضخيم عينه)، عسى يعوّض التباهي الإعلاني افتقار ميريام فارس إلى الموهبة والعفوية.
[email protected]