تشهد سهول شمال العراق إعادة رسم خريطة المنطقة إذ يعمل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية على تطهير المناطق الريفية من الاقليات الدينية والعرقية التي تعايشت على مدى مئات السنين. ونزح أكثر من نصف مليون شخص عن بيوتهم في مختلف أنحاء العراق منذ حزيران الماضي عندما سقطت مدينة الموصل أكبر مدن شمال العراق في أيدي المتشددين.
وأصبح اليوم جانب كبير من الشمال مقسما بين الدولة الاسلامية والأكراد الذين وسعوا نطاق منطقتهم التي تتمتع بالحكم الذاتي بنسبة تصل إلى 40 في المئة مع انهيار وجود الحكومة المركزية.
وأصبحت الاقليات تجد نفسها مرغمة على اختيار الجانب الذي تنتمي له من العراق مما يعجل بتقسيم البلاد على أرض الواقع وتغيير شكل التركيبة السكانية ربما على نحو لا يمكن اصلاحه.
وبالنسبة لكثير من الشيعة أصبح الملاذ الجنوب حيث يمثلون الطائفة الغالبة. وقال رجل من مدينة تلعفر على مسافة 70 كيلومترا غربي الموصل "نريد الخروج من كردستان وسني ستان والذهاب إلى شيعيستان".
وكان مقاتلو الدولة الاسلامية اجتاحوا تلعفر الشهر الماضي وطردوا الشيعة التركمان من أمثال هذا الرجل.
وفي مخيم بمخزن لم تعد شركة للبناء تستخدمه على أطراف مدينة أربيل ينتظر الاف التركمان الذين تربطهم صلات ثقافية ولغوية وثيقة بتركيا دورهم لنقلهم بحافلات إلى المطار ومنه إلى بغداد ومدينتي النجف وكربلاء الشيعيتين.
وقد استأجرت الحكومة العراقية الطائرات لأن أغلب الطرق البرية المؤدية إلى الجنوب من إقليم كردستان تمر عبر الاراضي التي يسيطر عليها المتمردون السنة الذين أعلنوا قيام دولة الخلافة على جانبي الحدود العراقية السورية.
ويرى رجل يبلغ من العمر 35 سنة ان معظم أفراد طائفته لن يعودوا أبدا. وأضاف "سيتم تفريغ الشمال من الشيعة وتفريغ الجنوب من السنة وسيؤدي ذلك إلى تقسيم العراق. تلك هي الخريطة الجديدة للشرق الاوسط."
ويحدث التغيير عبر قرى مثل قرية عمركان التي كانت حتى عهد قريب موطنا للسنة والشيعة من أقلية الشبك الصغيرة التي تعيش في مثلث يحده نهرا دجلة والزاب الكبير إلى الشرق من الموصل.
وبخلاف الموصل سيطر المتشددون على نحو 20 مدينة وقرية تعيش فيها أقليات في نينوى بالاضافة إلى مدينة في محافظة كركوك وعدة مدن أخرى حول مدينة طوز خرماتو.
وعندما سقطت الموصل في العاشر من حزيران انسحب الجنود العراقيون من المنطقة حول عمركان واستولى عليها المقاتلون المتشددون.
وفي البداية طمأن المتشددون السكان الشيعة في عمركان وقالوا لهم إنهم لا ينوون إلحاق الأذى بهم. لكن في فجر أحد الأيام أوائل الشهر الجاري استيقظ هؤلاء ليجدوا القرية محاصرة وإهانات طائفية مكتوبة على جدرانهم، ليتم بعدها جمع الشبان من الشيعة ونقلهم بعيدا.
والآن تعمل الجرافات على رسم مواقع جديدة على الأرض وتحفر خندقا عبر حقول القمح بما يجسد أعمق خطوط الصدع العرقي في العراق الفاصلة بين العرب والأكراد.
وعمركان واحدة من 11 قرية من قرى الشبك على الجانب العربي من هذا الخط تقع كلها تحت سيطرة المتشددين السنة. وقد طلب زعماء طائفة الشبك التي يتبع بعض أفرادها المذهب السني من حكومة اقليم كردستان العراقي طرد الدولة الاسلامية وضمهم إلى الاقليم.
وقال رجل من عمركان كان 11 فردا من أقاربه من بين المختطفين "نحن مع الجيش العراقي لكننا في الوقت نفسه مع الأكراد. نريدهم أن يتحدوا حتى يتمكنوا من صد هؤلاء المجرمين."
كذلك فإن مستقبل الطائفة المسيحية القديمة في الموصل أصبح قاتما وانتقل كل من استطاع من المسيحيين فيما عدا المرضى إلى إقليم كردستان أو إلى جيوب مسيحية تحميها قوات البشمركة في سهول نينوى.
[email protected]