عاد امس الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى العراق للمرة الأولى منذ تعرضه لجلطة قبل عام ونصف العام وسفره للخارج للعلاج في خضم ازمة سياسية وامنية تعيشها بلاده.
وأثناء غياب الطالباني اجتاح مسلحون سنة منطقة كبيرة من العراق وتجري حاليا مفاوضات لتاليف حكومة تقاسم سلطة جديدة ستفضي إلى اختيار رئيس جديد بدلا منه.
واختار الساسة العراقيون إسلاميا سنيا معتدلا كرئيس للبرلمان الأسبوع الماضي لكنهم لم يستقروا بعد على اختيار رئيس أو رئيس للوزراء وهو المنصب الذي يشغله حاليا نوري المالكي ويقاتل للاحتفاظ به.
ومع ان الرئاسة منصب شرفي إلى حد بعيد فإن الطالباني كان ينظر اليه على نطاق واسع على انه شخصية يلتف حولها الجميع سواء داخل العراق أو حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يكافح لاحتواء انقسامات داخلية من دون رئاسته.
وعرضت لقطات مصورة للطالباني في وقت سابق هذا العام ظهر فيها اكثر ضعفا مما يشير إلى انه لن يؤدي على الأرجح أي دور نشط في الحياة السياسية. لكن عودة الطالباني ستساعد في حشد الدعم لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وقد تساعد في توحيد الفصائل المتنافسة حول مرشح واحد لمنصب الرئاسة والذي يتم اختياره في العادة من الحزب.
وقالت مصادر سياسية كردية إن نجم الدين كريم من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني رشح نفسه الأسبوع الماضي لمنصب الرئيس دون ان يحظى بمباركة قيادة الحزب ووضع نفسه منافسا لبرهم صالح الذي يوصف بانه المرشح الأبرز للمنصب.
وفي السنوات الأخيرة فقد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني شعبية في معقله بالسليمانية مما أحدث هزة في الاحتكار الثنائي للسياسة اذ كان يقتسم السلطة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني منذ ان اصبحت المنطقة تتمتع بحكم شبه مستقل عام 1991. وتفوق حزب التغيير المعارض السابق على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في انتخابات برلمانية اقليمية العام الماضي ليحتل الاتحاد الوطني المركز الثالث. لكن حزب الاتحاد تمكن في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في نيسان الماضي من استعادة مكانته بفضل شعبيته في كركوك وهي خارج الحدود الرسمية للمنطقة لكن باتت تحت السيطرة الكردية الشهر الماضي.
ثلاثون قتيلا
في غضون ذلك، قتل ثلاثون شخصا على الاقل واصيب عشرات بجروح في هجمات متفرقة بينها خمس سيارات مفخخة في بغداد وشمالها. وغادر المئات من مسيحيي الموصل مدينتهم التي يعيشون فيها منذ قرون في شمال العراق قبل انتهاء المهلة التي حددها المسلحون المتطرفون.
وقال مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في الموصل، مركز ما يسمى ب"الدولة الاسلامية" في شمال العراق ان المسيحيين من اهالي المدينة هربوا بسيارات خاصة وسيارات اجرة، قبل منتصف النهار.
وقال ابو ريان وهو مسيحي غادر للتو المدينة ان "المسلحين سرقوا اموال ومجوهرات بعض العائلات عند نقاط تفتيش يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية" عند خروجهم من الموصل" التي تبعد 350 كيلومترا شمال بغداد.
وافاد شهود في الموصل انه تمت من بعض مساجد المدينة الجمعة دعوة المسيحيين الى المغادرة عبر مكبرات الصوت، مع التذكير ببيان "الدولة الاسلامية"، والتأكيد على ان من يمتنع عن الخروج سيكون مصيره التصفية.
وانتشر على مواقع على الانترنت بيان صادر عن "ولاية نينوى" يحمل توقيع "الدولة الاسلامية" وتاريخ الاسبوع الماضي جاء فيه ان هذا التنظيم اراد لقاء قادة المسيحيين حتى يخيرهم بين "الاسلام" او "عهد الذمة" اي دفع الجزية، مهددا بانهم "ان ابوا ذلك فليس لهم الا السيف".
ودفعت هذه التهديدات باهالي المدينة التي تعد بين اقدم المدن التي يعيش فيها المسيحيين العراقيين، الى الهرب.
وعلى رغم التهديدات قرر بعض مسيحيي الموصل البقاء في منازلهم، بينهم ابو فادي وهو مدرس لديه ولد رفض ترك الموصل حتى وان كلفه ذلك حياته. وقال: "نحن ميتون اساسا انسانيا، ولم يبق لدينا سوى هذه الروح، فاذا ارادوا ان يقطعوا هذه الروح، فانا مستعد لذلك، لكنني لا اغادر مدينتي التي ولدت وتربيت فيها". واضاف: "فرت 25 عائلة من اقربائي (الجمعة) عن طريق تلكيف والحمدانية، لكنهم تعرضوا للسلب ونهبت جميع مقتنياتهم من اموال وذهب وحتى اجهزة الهاتف وحاجياتهم وملابسهم".
وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو قال مساء الجمعة "للمرة الاولى في تاريخ العراق، تفرغ الموصل الان من المسيحيين"، مضيفا ان "العائلات المسيحية تنزح باتجاه دهوك واربيل" في اقليم كردستان العراق.
مؤتمر عمان
ونفى وزير الخارجية الاردني ناصر جودة ان تكون لبلاده اي علاقة بمؤتمر قوى المعارضة العراقية الذي عقد في عمان الاربعاء.
وقال جودة في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس ان "الاخ السيد (حسين) الشهرستاني (وزير الخارجية العراقي بالوكالة) أتصل بي قبل ثلاثة ايام في اليوم الذي قام الاخوة العراقيون بعقد مؤتمرهم هنا، وكان يستفسر ولا يحتج عن ماهية المؤتمر واذا ما كان صحيحا كما صرح البعض ان المؤتمر برعاية او بدعوة اردنية". واضاف: "أكدت له ان هذا غير صحيح، وتحدثنا لمدة عشرين دقيقة وقلت له ان المؤتمر ليس اردنيا وليس برعاية اردنية".
واوضح جودة ان "الاردن يوفر المكان في أي زمان لاي جهة تطلب عقد اجتماعات او لقاءات هنا في الاردن وهذه ليست المرة الاولى التي يعقد فيها اخوة لنا عراقيون مؤتمرات او لقاءات على الارض الاردنية ولا يوجد استثناء لاحد إلا ما يهدد امن واستقرار الاردن او ما يشكل تدخلا في الشأن الداخلي لاي دولة عربية". وكرر ان "لا علاقة لنا بمضمون المؤتمر ولا بمخرجاته سوى ان نستخدم ما لدينا من نفوذ كدولة مضيفة بأن لا تكون مخرجاته تسيء بأي شكل من الاشكال الى المسار السياسي في العراق او المساس لا سامح الله بالدولة او دستورها واعتقد ان البيان لم يتطرق باي طريقة سلبية للدستور او المسار السياسي".
وكانت السلطات العراقية قررت استدعاء سفير العراق من العاصمة الاردنية للتشاور، بحسب ما اعلنت وزارة الخارجية الجمعة.
وجاء هذا القرار بعد يومين من استضافة عمان لمؤتمر دعت في ختامه الاربعاء حوالى 300 شخصية عراقية معارضة للحكومة في بغداد المجتمع الدولي الى وقف دعمه لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، مؤكدين ان ما يشهده العراق اليوم هو "ثورة شعبية" طالبوا بتأييد عربي لها.
وشارك في المؤتمر الذي اطلق عليه اسم "المؤتمر التمهيدي لثوار العراق" شخصيات تمثل "هيئة علماء المسلمين" السنة في العراق وحزب البعث المنحل وفصائل من "المقاومة المسلحة" و"المجالس العسكرية لثوار العراق" و"المجالس السياسية لثوار العراق" وشيوخ عشائر.
[email protected]