المحامي نضال داوود – ترشيحا
نظراً لأهميّة الموضوع وانعكاسه المباشر على أملاك المواطنين، وخصوصًا على ضوء المصادرات الواسعة للأرضي، التي تحصل مؤخّراً في مناطق عدّه في بلادنا – وبالذات من أجل توسيع الشوارع القائمة في محيط قرانا ومدننا – أصبح من الواجب أن أضع أمامكم هذا المُرشد القانونيّ الأساسيّ، الذي يهدف الى شرح موضوع مصادرة الأراضي وكيفيّة مجابهتها قانونيّاً.
ما هي الأمور التي يجب علينا ادراكها بخصوص مصادرة الأرض؟ هل يمكن الغاء المصادرة؟ هل هناك تقادم على دعاوى بقضايا مصادرة الأرض؟ ما هي التعويضات التي يستحقّها المالك بعد المصادرة؟ في هذا المرشدّ القانوني، نجد الاجابات على الأسئلة هذه.
ما هي مصادره الأراضي؟
مصادره الأراضي تعتبر من أهمّ الصلاحيات الممنوحة قانونياً لمؤسّسات الدولة، وهدفها "شراء" الأرض من مالكِها بشكلٍ قسريّ ونقلها لمُلك الدولة بهدف استخدامها للصالح العام.
منذ أنّ تأسّست هذه الدولة، سُنّت العديد من القوانين التي تمنح لمؤسّساتها صلاحية مصادرة أراضي المواطنين الخاصّة. وبالتالي، فانّ مصادرات الأراضي يمكن أنّ تحصل بالاعتماد على قوانين مختلفة، مثل قانون التخطيط والبناء، قانون الأراضي (פקודת הקרקעות)، قانون أملاك الغائبين (أو ما يسمّى، بالغائبين)، قانون المياه، قانون الآثار، الخ. هنا، يجب التنويه الى أنّ لكل قانون من قوانين المصادرة أهدافة، الأدوات الخاصّة به وطريقة تطبيقه. فعلى سبيل المثال، قانون التخطيط والبناء يمنح اللجنة المحليّة للتخطيط والبناء مصادرة الأراضي الخاصّة من أجل بناء مؤسّسات تعليميّه، مثلاً، أو مساحات عامّه أو مواقف للسيّارات، أو مصادره من أجل توسيع الطرقات. وبموجب هذا القانون، تستطيع اللجنة المحليّة للتخطيط والبناء مصاردة حتى 40% من مساحة الأرض دون أن تضطرّ الى دفع التعويضات لمالك الأرض. ولكن يجب الانتباه، الى أنّ المصادرة بموجب قانون التخطيط والبناء هذا، مشروطه بوجود خارطة هيكليّه مصادق عليها في المنطقة التي تنوي اللجنة مصادرتها.
بالمقابل، هناك أيضاً قانون الأراضي (פקודת הקרקעות) الذي سُنّ عام 1943 (أي فترة الانتداب البريطاني) وتبنّته الدولة عند تأسيسها، وعُدّل لأوّل مرّه (منذ تأسيس الدولة)، قبل 7 سنوات فقط (عام 2010). هذا القانون يعتبر من أهم قوانين المصادرة في البلاد وبموجبه صودرت معظم الأراضي العربيّة منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي الى يومنا هذا. في السابق، كان هذا القانون يسمح للدولة بمصادره 25% من الأرض دون دفع التعويضات للمالك، ولكن هذا الأمر ألغيَ عام 2010 بعد تعديل القانون. وعليه، يجب التأكيد، الى أنّ كل مصادرة تحصل اليوم بموجب قانون الأراضي هذا، تكون مشروطه – حتماً – بدفع تعويضات المصادرة الكاملة للمالك.
هل كل مصادره تُلزم الدولة بدفع التعويضات؟
قطعاً لا. كما ذكرت أعلاه، هناك صلاحيّه للجنه التخطيط والبناء بمصادرة حتى 40% من مساحة قسيمة الأرض دون دفع التعويضات. ولكن، هناك حالات عديده تمّت فيها مصادرة مساحه تتعدّى الـ 40% من مساحة القسيمة، وفيها ادّعت الدولة أنها ليست مُلزمةً بدفعِ تعويضات ولكن هنا يجب التدقيق في ادعاء الدولة لأنه من الممكن دحضه قانونياً. يُذكر، أنه في حال اقرار خارطة هيكليه تشمل مصادرة مساحة تقلّ عن 40% من مساحة القسيمة، يمكن – بل يتوجّب – تقديم دعوى لدفع تعويضات بحسب المادة 197 لقانون التخطيط والبناء، حتى لو كانت المساحة تقلّ عن 40% من مساحة القسيمة.
هل هناك تقادم على دعاوى تعويضات مصادرة الأراضي؟
طبعاً، هناك تقادم. في قرار المحكمة العليا بقضيّه تتعلّق بمصادرة الأراضي (المعروفة بقضيّة "أريدور")، قرّرت المحكمة العليا ما يلي: الفترة التي يُسمح فيها للمالك تقديم دعوى تعويضات على مصادرة الأرض تمتدّ من موعد سيطرة الدولة – فعليّاً – على الأرض المصادَرة، وحتى مرور 7 سنوات (كحدّ أقصى) من موعد سيطرة الدولة على الأرض. أيّ أنّ هناك تقادم على الدعاوى القضائيّة اذا قدّمت للمحكمة بعد مرور 7 سنوات من سيطرة الدولة فعلياً على الأرض.
من الجدير ذكره هنا، أنّه عندما تتمّ مصادرة الأرض بحسب قانون التخطيط والبناء، فهناك مرحلتان (كما ذكرنا أعلاه): المرحلة الأولى، هي مرحلة اقرار خارطة هيكليّة للمنطقة، والتي من خلالها يتمّ تخصيص مساحات معيّنة من الأرض للمصادرة (من أجل توسيع شارع، أو اقامة مفترق طرق أو بناء مؤسّسه عامّه، الخ)، وعندها يستحقّ المالك – بل يتوجّب عليه – تقديم دعوى تعويضات بحسب المادة 197 لقانون التخطيط والبناء وذلك خلال 3 سنوات فقط من المصادقة على الخارطة الهيكليّة، ليس أكثر. أما في المرحلة الثانية – عندما تسيطر الدولة فعليّاً على الأرض، بموجب الخارطة المصادق عليها – يمكن تقديم دعوى تعويضات أخرى بحيث يتم تقييم الأرض بحسب تخصيصها الجديد.
ماذا يمكن لي أن أفعل اذا استلمت أمراً بمصادره الأرض؟
في الحقيقة، هناك عدة وسائل يمكن من خلالها معالجة الموضوع، اذا كانت المصادرة بحسب قانون التخطيط والبناء: أولاً، يجب ادراك الموضوع عند عرض الخارطة الهيكليّة وتقديم اعتراض عليها، واذا رُفض – الاستئناف على القرار. ثانيًا، بعد المصادقة على الخارطة الهيكليّة يمكن تقديم استئناف للمحكمة ومطالبة الغائها. ثالثاً، يمكن تقديم دعوى تعويضات بحسب المادة 197 لقانون التخطيط والبناء. أمّا بعد المصادرة فعليّاً، بحسب قانون الأراضي، فهناك امكانيّة بتقديم اعتراض خطّي مفصّل على مصادرة الأرض. هذا الاعتراض يُقدّم خلال 60 يوماً من نشره، وعليه أنّ يتضمّن كل الادعاءات القانونيّة التي يمكن لها أن تغيّر من قرار المصادرة. أمّا عندما يكون أمر مصادره للأرض قديم، أومرّت عليه سنوات طويله دون تنفيذه، فيتوجّب على المالك التدقيق جيّداً في موعد اصدار أمر المصادرة وفي هدف المصادرة، ومعرفة القانون الذي تمّت بموجبه هذه المصادرة. ذلك لأنّه من الممكن جدّاً الغاء أمر المصادرة كليّاً اذا كان الأمر مستنداً الى قانون الأراضي المذكور (פקודת הקרקעות)، لأنّ ذلك يمكن أن يعتبر تخلّي من قبل الدولة عن هدف المصادرة. أخيرًا، فيما لو لم تكن هناك أي امكانيه لالغاء المصادرة (برغم كل ما ذكر أعلاه)، فيمكن تقديم دعوى تعويضات حتى تتحمّل الدولة المسؤوليّة الكاملة بتعويض المالك بقيمة أرضه المصادرة كاملة.
كيف يتمّ تقييم تعويضات المصادرة؟
تقييم التعويضات يتمّ بواسطة مخمّن أراضي. عموماً، يتم تقديم تقريران من قبل مخمني الأراضي – واحد من قبل مالك الأرض المصادرة، والثاني من قبل الدولة – وبعدها، يناقش الأمر أمام المحكمة المركزيّة لتقرّر في دعوى التعويضات بناءاً على البيّنات التي تقدّم لها من قبل الطرفين. بطبيعة الحال، الدولة تحاول تخفيض قيمة الأرض حتى تُلزم بدفع أدنى تعويضات، بما في ذلك طرح ادّعاءات مختلفة التي يتوجّب على المالك ومحاميه الردّ عليها واقناع المحكمة بضرورة التعويض الكامل، دون نقصان.
تنويه: المعلومات المذكوره في هذا المُرشد هي للتوعية والانتباه فقط وليست بديلاً عن الاستشارة القانونيّة المهنيّة.
* المحامي نضال داوود – حاصل على اللقب الثاني في القانون ومختصّ في مجال الأراضي والعقارات.
[email protected]