لا تزال عائلة الضحية أحلام زيادات (20 عاما) في الناصرة، والتي قتلها زوجها عوني زيادات (24 عاما) بدمٍ بارد في تاريخ 24.10.2016 تجهل مكان جثة ابنتها ولم يُعرف ما إذا جرى دفنها بعد قتلها أم لا.
التقيت عائلة ضحية جريمة القتل البشعة التي تندرج ضمن جرائم قتل النساء في مجتمعنا، برفقة المحامية عبير بكر، جاءت أهمية لقاء والدة الضحيّة أحلام، فوزية عباس، بعد صدور قرار من وزارة القضاء بتقديم خدمات قانونيّة مجانًا، للعائلات المتضررة بسبب العنف، وتشمل الخدمات: مرافقة العائلة بالإجراءات القانونية ضد القاتل خاصة حينما يتم تقديم لائحة اتهام بواسطة نيابة الدولة ضد المتهم، إذ تحتاج العائلة في الكثير من الأحيان لشرحٍ مبسّط للإجراءات القانونيّة خاصة وأنّ مكانة العائلة في هذه الإجراءات محدودة جدًا. فالعائلة لا تحاكِم المتهم ويصعب عليها استيعاب فهم القانون ومتابعة الإجراءات والحق بمحاكمة قاتل ابنتها وتعقيداتها.
وقالت المحامية عبير بكر، إن وجود محام/يـة في هذا المجال هو أمرٌ مهم، ونادرًا ما تبادر النيابة بتقديم الشرح الوافي حول الإجراءات القانونيّة، فعلى سبيل المثال يمنح القانون هؤلاء العوائل الحق بالحصول على خدمات قانونيّة.
وأضافت: نعرف أنّ قتل فرد من أفراد العائلة يولّد مشاكل مادية ونفسيّة عديدة تُلزم الجميع بالالتفاف حول العائلة، سواء من قِبل الشؤون الاجتماعية أو غير من المؤسسات، بينما لا يعقل أن تنتظر المؤسسات الاجتماعيّة العائلات بالتوجه إليها، بل على الشؤون الاجتماعية أخذ زمام المبادرة وطلب إجراء فحص احتياجات للعائلة وتقديم المساعدة الملائمة أو توجيهها للجهة المختصة، الأمر الذي لم يتم في حالة والدة الضحيّة أحلام زيادات.
تكشفُ حالة الوالدة وعائلتها الثكلى قضية أخرى بالغة الأهمية، وهي أنّ محاكمة المجرم ليست المطلب الوحيد خاصة وأنه ما زال يتستر على مكان جثمان ابنتها بعد قتلها لغاية اليوم.
الجميع يتذكر جريمة القتل، لكن لا أحد يتذكّر أنّ العائلة ما زالت حتى هذه اللحظة تتوسل وداع ابنتها ومعرفة مكان وجود جثتها، علمًا أنّ بشاعة الجريمة ليست فقط بالفقدان، وإنما بالحرمان من الوداع الأخير ما يفاقم الألم. وبكلماتٍ أخرى فإنه طالما يُخفي القاتل مكان وجود جثة الضحية فالجُرح سيبقى عميقًا حتى لو تمّ زج القاتل في السجن مدى الحياة. وهُنا نذكِّر أنّ المجتمع المدني يفتقر إلى مؤسسة ترعى عوائل الضحايا.
الجرح النازف بعد الجريمة
وقالت والدة القتيلة أحلام زيادات، فوزية عباس، إنه من الضروري معرفة مكان إخفاء جثة ابنتي، وأهمية المساهمة الجماهيرية في البحث عنها، وألا يقتصر البحث والمتابعة على العائلة فقط، فالعائلة ثكلى ووجعنا وجرحنا لا زال ينزف بعد رحيل ابنتنا أحلام.
وأضافت الوالدة أنه في قصّة أحلام، الكثير من المصائب الحارقة والحياة القاسية التي عاشتها منذ الصغر، فلا يقتصر الوجع على العائلة، إذ باتت الحاجة مُلحة اليوم أكثر من أيِ وقتٍ مضى، لمعرفة مكان دفن أحلام، وعلى النيابة أن تجد أسلوبًا ملائمًا يجعل القاتل يعترف بحقيقة مكان دفنه لزوجته، والأهم ألا يخرج من سجنه دون عقاب، خاصةً أنه أكدّ رغبته بقتل أحلام وإخفائها عن الدنيا، وكان مُصرًا على القيام بما فعله. كان يُصر على منع زوجته من الحياة الطبيعية، حتى في أسخف الأمور الخاصة بها، غيرته قتلتها وسجنته، غيرة أوصلته حدّ الجنون، وعندما كان يراها بكامل أناقتها يردد جملته أنتِ ملكة الكون بكامله. وفي إحدى المرّات، ادعى أنّ شخصًا كان ينظر لزوجته، فترجّل من سيارته وقام بضربه بوحشية، كاد يُقتله بين يديه، وأحلام تنظر إلى زوجها عاجزة، ومؤكدة لأمها أنّ الرجل لم ينظر إليها بتاتًا. كان القاتل غيورًا وحاقدًا على زوجته، كان يضربها أكثر من مرّة، ضربها في عينها التي أجرت فيها عملية زراعة عين بشرية. حتى اليوم لم يهتم مكتب الشؤون الاجتماعية بالسؤال عن احتياجات العائلة.
وأكدت الوالدة أن أحلام كانت تخاف زوجها وتتهرب منه، وحين تأتي لبيت العائلة كانت آثار العنف والاعتداء عليها بارزة في وجهها، وكأنما أراد زوجها الانتقام منها بتشويه وجهها بصورة وحشية. ابنتي كانت يتيمة وتزوجها مكرهة، وأذكر في فترة الخطوبة أنني أردتُ تقديم شكوى ضده، قلتُ لابني محمد، سأشكوه للشرطة، فقال ابني: ماذا ستقولين للشرطة؟! ستمنعينه من لقاء زوجته؟! عُدنا إلى البيت فوجدناه لا يزال جالسًا، سألني أينَ الشرطة؟ وقال سأتزوجها أو سأخطفها. قلنا لها أتركيه، فقالت كيف يكون ذلك؟ أخشى أن يقتلني في الشارع. ابنتي أحلام عاشت حياتها تحت الظلمٍ والبؤس ولم ترَ امرأة أخرى مثل هذا الشقاء والإيذاء مِن زوجها. ذات مرةٍ سمعتُ ابنتي وهي تصرُخ بعد أن شدّها من شعرها واقتلع خصلات كثيفة من رأسها، طردته من بيتي بعد أن أوسعها ضربًا على بطنها وهي حامل.
وواصلت الوالدة سرد ما عانته ابنتها في حياتها بالقول: لم نرَ يومًا سعيدًا مع هذا الشخص، حتى عندما رشق عليها ماء النار، ظلّت قويّة رغم الألم الشديد، وحتى في خسارة عينها ظلّت صامدة، وقد ذاقت صنوف العذاب أيامًا وليالٍ طويلة، لم نرَ من زوجها سوى المرارة والأسى.
وحذرت من أن خروج القاتل من السجن هو أمرٌ مخيف، فهو خطرٌ على المجتمع وقد يقتل شقيقته، خاصةً أنها الشاهدة الوحيدة في جريمة قتل أحلام، إذ رأت ابنتي وهي ملقاة على الكرسي في سيارة القاتل، فقد أيقظهم في تلك الليلة المشؤومة، وسألته شقيقته: لماذا قتلتها؟! وطالبت شقيقته بإبلاغي عن قتل أحلام
وبدورها قالت المحامية عبير بكر إنّ محاكمة القاتل ستكون في شهر أيار المقبل، وتعرِض هذه القضية أمامنا جانبًا مهمًا يتعلق بعوائل ضحايا القتل وضرورة مرافقتهم على جميع الأصعدة، فمع كل جريمة قتل لإمرأة أو رجل نرى نفس النمط من ردود الفعل الساخطة والغاضبة التي تنتهي مع دفن الضحية. نعود نحن إلى أعمالنا وأشغالنا وتبقى العائلة الثكلى وحيدة تعيش حالة من الصدمة الخاصة بسبب قتل ابنتها. وعلينا أن نعي أنّ طريقة الموت تولِّد أنواعا مختلفة من الصدمة أصعبها الموت جراء القتل المتعمّد، لتبقى العائلات مع الصدمة ولا أحد يهتم بتقديم الخدمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقانونيّة الناجمة عن مقتل ابنتها لها ومساعدتها.
القاتل , زوج المرحومة
[email protected]