يا جماهير يوم الأرض الخالد..
تحية إعزاز وإجلال وإكرام لكم جميعاً..
ها نحن نلتقي مرة اخرى, كما نلتقي كل عام, لنُحْيي ذكرى يوم الأرض الخالد, كمناسبة وطنية كفاحية وحدوية, نُحْيي خلالها ذكرى شهداء يوم الأرض الأبرار, الذين سقطوا كضحايا العدوان الاسرائيلي على جماهيرنا العربية الفلسطينية, التي هَبَّت لتدافع عن أرضِها ووطنِها وَوُجودِها.. ونحن إذْ نُحْيي هذه المناسبة كمحطة تاريخية ومَفْصلية فارِقة في حياة ومسيرة وتاريخ هذه الجماهير, فإننا لا نقف ولا نراوح في الماضي, ولا لنرفع فقط المعاني الرَّمزية والتاريخية لهذه المناسبة, على أهميتها, بل أيضاً لنواجِه قضايا وتحدّيات الحاضر والمستقبل, في مسيرة ومعركة ماهيّة وُجودنا وتطورنا في وطننا..
وقد اعتدنا أن نقول في كل مُناسبة وذكرى أننا نمرّ في أخطر وأحلك الظروف, في مواجهة سياسة المؤسَّسة الإسرائيلية تجاهنا, وهذا صحيح عموماً, لكننا اليوم نمرّ حَقاً وفِعلاً في أخطر وأحلك الظروف والمراحل, على كل المستويات والاتجاهات.. فالمَخاطر التي تواجهنا, هذه الايام, تتجاوز القضايا الحقوقية وتَنْحى نحو المعركة الوُجودية الحقيقية, بكل المعاني, في الشكل والجوهر, وليس فقط على مستوى الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد, إنما على مستوى القضية الفلسطينية عُموماً, كما يتجلّى ذلك في تصعيد ممارسات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة, من استيطان وتهويد وعُدوان, ومن مواصلة الحصار الخانق لقطاع غزة, بهدف تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة, والتي لا ولن تخبو ما دام يُدافع عنها شعبٌ حيّ..
وبالرغم مّما حقَّقْناه من إنجازات حقوقية هامَّة, مُؤخراً, بفضل مُثابرة وتعاون اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية والقائمة المشتركة في الكنيست والجمعيات والمراكز المهنية, ورغم أن المسيرة في هذا الإتجاه ما زالت طويلة وشائكة أمامنا, وتتطلب استثمار وتفعيل دور الجميع في سبيل انتزاع حقوقنا المشروعة, إلاَّ أن تحدِّيات هامة وخطيرة, تواجهنا جميعاً ومعاً, في مُوازاة ذلك..
فيكفي أن نقرأ طبيعة وجوهر الرسائل التي وجَّهتْها لنا المؤسسة الإسرائيلية, مُؤخَّراً, من خلال عِدَّة أحداث ومحطات تصعيدية وَمَنْهَجية, لنفهم مُستوى التحدِّيات وطبيعتها واتجاهاتها وكيفية مواجهتها..
فهذا ما تجلّى, خلال الأشهر الأخيرة, في جريمة هدم مجموعة بيوت في قلنسوة, وجريمة الهدم والقتل في أُم الحيران في النقب, وَحَملات التحريض العنصري والفاشي والترهيبي ضد الجماهير العربية وقياداتها في البلاد, من قِبَل العديد من المسؤولين الحكوميين والرسميين, إضافة الى سَنّ وتشريع مجموعة قوانين, تستهدف الوجود الوطني والثقافي لهذه الجماهير, كما هو الحال في ما سُمِّيَ " قانون الأذان", على سبيل المِثال وليس الحَصْر..!؟
وما لا يقلّ خُطورة, في هذا السّياق, يتجلّى في المحاولات الحُكومية المُتسارِعَة لإقرار مَشروع ما يُسمى " كمينيتس" في الكنيست, والذي يهدف الى قَوْنَنَة وتسريع عملية هدم عشرات آلاف البيوت العربية في مختلف أنحاء البلاد, بالحِجّة الواهية ذاتها, أي ما يُسمى " البناء غير المُرَخَّص" , بعدما حَاصروا مدننا وقرانا والأحياء العربية في المدن الساحلية والمختلطة, وَحرموها من الخرائط الهيكلية ومن توسيع مناطق نفوذها ومُسَطَّحات البناء فيها, لتتلاءم مع الاحتياجات والتطور والنمو الطبيعي للجماهير العربية..!؟
الى جانب كلّ هذا فإننا أيضاً نواجه أخطر الأوْئِبة التي ضربت مجتمعنا, في السنوات الأخيرة, والتي تجلَّت بانتشار واتِّساع ظواهر ومَظاهر العنف والجريمة والإحْتِراب الداخلي, بشكل أضْعَفَ ويُضعِف معركتنا الوطنية, ويُمسّ في عملية مواجهتنا للتحديات الكبرى والحقيقية..
إذن وأمام هذه الوَقائع والحقائق, وغيرها الكثير, فإننا لا نُضفي نَزْعَة تشاؤمية للواقع, بل نهدف الى استنهاض الهِمَم ورفع مَنسوب الوعي والإدراك لخطورة هذه المرحلة, وتفعيل الإرادات الفردية والجَماعية, على أساس من الوحدة الوطنية الحقيقية ومن باب المسؤولية التاريخية, من أجل الإرتقاء الى مُستوى هذه التحديات, ومواجهتها وتجاوُزها, وبالتالي لكي نتصَّرف كشعبٍ حيّ يسعى الى مواجهة الحاضر ورسم مَعالِم ومَلامحَ مُستقبله وحياته على أرض وطنه..
هكذا يتصَّرف الأحياء في مواجهة ثقافة الموت والأموات, فلننطلِق معاُ ومُوَحَّدين, من خلال تنوُّعِنا وتعدُّديّتنا, لصناعة وبناء مُستقبلنا المُشتَرك في هذا الوطن الذي يَعْبَق بالحياة, رغم رائحة الموت..!؟
ولتبقَ ذكرى يوم الأرض خالدة..
[email protected]