يدخل العالم فصله الأخطر منذ عقود. فالصعود الحادّ للحروب في السنوات الأخيرة يفوق قدرتنا على التعامل مع مخرجاتها. بدءاً بأزمة اللاجئين العامليّة وصولاً إلى انتشار الإرهاب، إذ يؤدّي فشلنا الجماعي في حلّ الصراع إلى ولادة تهديدات وحالات طوارئ جديدة. حتى في المجتمعات الآمنة، تؤدي سياسات الخوف إلى استقطاب الخطر والغوغائية.
تمّ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهو الحدث الذي كان لأكثر أهمية في السنة الأخيرة بلا شك، والذي ينطوي على تداعيات جيوسياسية مستقبليّة بعيدة المدى. لقد قيل الكثير حول خفايا اأجندة السياسة الخارجية لترامب. ولكن أمراً واحداً هو المؤكّد وسط هذا، وهو أن حالة عدم اليقين في حدّ ذاتها يمكن أن تكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار بشكل كبير، خاصّة عندما ترتبط بالفاعل الأقوى في الساحة العالمية. الأن، يقوم الحلفاء القلقون، من أوروبا وصولاً إلى شرق آسيا، بـتحليل تغريدات ترامب وتهديداته غير الرسمية. هل سيعقد صفقة مع روسيا متخطياً الأوروبيين؟ هل سيحاول التراجع عن الاتفاق النووي الإيراني؟ هل هو عازم بشكل جديّ على الدخول في سباق تسلح جديد؟.
لا أحد يعرف على وجه القطع، وهذه تحديداً هي المشكلة.
لقد عانت السنوات الستون الأخيرة من حصّة كبير من الأزمات.، ابتداءً بفيتنام، مروراً برواندا، ووصولاً إلى حرب العراق. لكنّ التطلّع لنظام دوليّ تعاوني؛ والذي بدأ في أعقاب الحرب العالميّة الثانية، وأيّدته وقادت مساعيه الولايات المتحدة هو الأساس الذي قامت عليه العلاقات بين القوى العظمى منذ الحرب الباردة.
كان النظام في حالة تغيّر مستمر حتى قبل فوز ترامب في الانتخابات. فقد بدأت سياسة الانكفاء في واشنطن خلال رئاسة باراك أوباما. ولكنّ أوباما عمل على دعم المؤسسات الدولية لملء هذه الفجوة. اليوم، لم يعدّ بإمكاننا الافتراض بأنّ أميركا التي يمثّلها شعار أميركا أولاً سوف توفر ما يحتاجه النظام الدولي من دعم لوجستي وعسكري. إن لم تكن القوة الأمريكية الصلبة مصحوبة ومؤطرة بقوتها الناعمة، فعلى الأرجح، سوف ينظر إلى أميركا باعتبارها تهديداً بدلاً من كونها مصدراً للاطمئنان، كما ينظر إليها الكثيرون.
في أوروبا، تضاعفت حالة عدم اليقين من الموقف السياسي الجديد للولايات المتحدة إثر الفوضى التالية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لقد ارتفعت أسهم القوى القوميّة، وستكشف الانتخابات القادمة في كلّ من فرنسا وألمانيا وهولندا، عن مستقبل المشروع الأوروبي. تمثّل إمكانية انهيار الاتحاد الأوروبي واحدة من أكبر التحديات التي نواجهها اليوم، وهي حقيقة منسية وسط التطورات المقلقة المهمّة الأخرى. لا يمكننا تحمل خسارة صوت التوازن الأوروبي في العالم.
أدّى تفاقم المنافسة الإقليمية إلى تحوّل في المشهد السياسي، كما هو واضح بشكل خاصّ في المنافسة القائمة بين إيران ودول الخليج على النفوذ في الشرق الأوسط. قد نجم عن الحروب بالوكالة بين الطرفين، في كل من سورية والعراق واليمن، عواقب وخيمة.
يُنادي العديد من زعماء العالم بأن السبيل الوحيد للخروج من الانقسامات العميقة هو التوحد حول الهدف المشترك المتمثّل في مكافحة الإرهاب. ولكنّ هذا مجرّد وهم، فالإرهاب هو مجرد تكتيك، ومحاربة تكتيك ما لا يمكن أن يحدد استراتيجية. استغلت الجماعات الجهادية الحروب وانهيار الدول لتدعيم سلطتها، ونمت في ظل الفوضى الحاصلة. في النهاية، فإنّ ما يحتاجه النظام الدولي حقاً هو استراتيجية وقاية من الصراع، من شأنها أن تدعم بشكل ضمني الدول، التي تشكل عماد هذا النظام. بحتاج النظام الدوليّ إلى ما هو أكثر من التظاهر بوجود عدو مشترك لحماية نفسه.
مع قدوم إدارة ترامب، تبدو دبلوماسيّة الصفقات مرشّحة للتصاعد، إضافة إلى تصاعدها الحاليّ. إذ تحلّ المساومات التكتيكية محل الاستراتيجيات طويلة الأمد والسياسات المستندة إلى القيم. يحمل التقارب بين روسيا وتركيا بعض الأمل في انخفاض مستوى العنف في سورية. مع ذلك، يجب على كلّ من موسكو وأنقرة، في نهاية المطاف، المساعدة في شقّ طريق نحو حكم تمثيلي للجميع بدرجة أكبر؛ وإلا فإنّهم سيقعون في خطر الانزلاق أكثر من ذي قبل في المستنقع السوري. لقد أصبح الوصول شرق أوسط مستقر أمراً مستبعد الحدوث في ظلّ التدعيم المؤقت للحكومات الاستبدادية، التي تتجاهل مطالب الغالبية من شعوبها.
أبرم الاتحاد الأوروبي، الذي كان دوماً مدافعاً عن الدبلوماسية المبنية على القيم، عدّة صفقات مع تركيا وأفغانستان والدول الأفريقية لمنع تدفق اللاجئين؛ مع قلق من انعكاسات ذلك عالميّاً. من جهة أخرى، يمكن لأوروبا أن تستفيد من التحسن في العلاقات أميركا الروسية لإعادة السيطرة على أسلحة القوى التقليدية والنووية، وهو ما يُعدّ خطوة في الوقت المناسب أكثر من كونها سلوكاً انتهازيّاً.
يُظهر نهج بكين الصلب في علاقاتها مع الدول الآسيوية الأخرى وإفريقيا أميركا اللاتينية، ما يُمكن أن يكون عليه العالم دون الأمان الذي يوفّره حضور الولايات المتحدة.
قد يبدو نهج الصفقات وكأنه إحياء للسياسة الواقعية. ولكنّ نظاماً دولياً يقوم على مجموعة من الصفقات قصيرة الأمد لا يُمكن أن يكون مستقراً؛ فالصفقات يمكن أن تنهار بسهولة عندما لا تعكس استراتيجيات طويلة الأمد. إنّ غياب وجود نظام متوقع، وقواعد مقبولة على مستوى واسع، ومؤسسات قوية، يعني وجود فرصة أكبر للخسارة والأخطاء.
أصبح العالم اليوم، وبشكل متزايد، مائعاُ ومتعدد الأقطاب، مدفوعاً ومسحوباً في الوقت ذاته من قبل مجموعات متنوعة من الدول والجهات الفاعلة من غير الدول؛ الجماعات المسلحة فضلاً عن المجتمع المدني. في عالم يتجه من القاعدة إلى القمة، لا يمكن للقوى الكبرى وحدها أن تُسيطر على الصراعات المحلية، ولكن يمكنها التلاعب أو التدخل في هذه الصراعات: يُمكن للصراعات المحليّة أن تكون الشرارة التي تشعل نيراناً أكبر وأكبر.
شئنا أو أبينا، فالعولمة حقيقة واقعية؛ وجميعنا متصلون ببعضنا البعض. أطلقت الحرب السورية أزمة اللاجئين، التي بدورها أسهمت في خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي من شأنه أن يخلق موجة من التبعات والعواقب السياسية والاقتصادية العميقة الخارجية. قد ترغب البلدان في الانغلاق على ذاتها، ولكن لا يمكن تحقق السلام والازدهار دون مزيد من الإدارة التعاونية لشؤون العالم.
هذه قائمة بعشر صراعات يمكن سنشهدها في 2017، والتي توضح بعض الاتجاهات العامّة، ولكنها في الوقت ذاته تكشف عن سبل لعكس هذه الديناميكيات الخطيرة .
1. سورية والعراق
بعد قرابة ستّ سنوات من الصراع، الذي يُقدّر عدد ضحاياه بنصف مليون حتى الآن، وما يقرب من 12 مليون نازح ولاجئ، يبدو أنّ من المرجّح أن يحافظ الرئيس السوري بشار الأسد على سلطته، إلا أنّه لا يزال، على الرغم من الدعم الخارجي لقوّاته، عاجزاً عن إنهاء الحرب واستعادة السيطرة الكاملة. لقد بدا هذا واضحاً مع استعادة تنظيم الدولة الإسلاميّة السيطرة على مدينة تدمر، بعد تسعة أشهر فقط من الحملة العسكريّة المدعومة روسيّاً، التي نجحت في طرد التنظيم من المدينة.
لقد عملت استراتيجيّة الأسد لعرقلة وشلّ حركة المعارضة غير الجهاديّة في تعزيز حظوظ الجماعات الراديكاليّة الإسلاميّة كتنظيم الدولة وجبهة فتح الشام (جبهة النصر سابقاً). أما الثوّار غير الجهاديين فقد ازدادوا ضعفاً مع الهزيمة الأخيرة في حلب؛ ولا يزالوا مقسّمين وعاجزين عن الفعل نظراً للمقاربات المختلفة للدول الداعمة لهم. لقد مثّلت استعادة حلب الشرقيّة للنظام في ديسمبر نقطة تحوّل كبيرة، إذ تمكّن النظام وحلفاؤه من النجاح بعد حصار طويل وقصف قاسي للمدنيين. لقد عبّر الديبلوماسيون الغربيون عن فزعهم وغضبهم مما جرّى ولكنّهم فشلوا في تحويل هذه الاستجابة إلى سياسة فعليّة. وقد استمرّت عملية إجلاء المدنيين والثوار بعد تلكؤ وتردد، بعد أن تمكّن الأتراك والروس والإيرانيون من عقد صفقة لإخلائهم. تلى هذه العمليّة لقاء في موسكو لبعث العمليّة السياسيّة وإنهاء الصراع المسلّح. في هذه اللقاءات، لم تتم دعوة الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة ولا استشارتهما حتى. لقد أظهرت الانتهاكات الروسيّة والتركيّة لاتفاق وقف إطلاق النار في نهاية ديسمبر مدى هشاشة هذا الاتفاق، كما استمرّ النظام في هجماته على ضواحي دمشق. على الرغم من التحديات الصعبة في الطريق، فإنّ المسار الديبلوماسي الجديد هو الخيار الأفضل لتقليل درجة العنف في سورية.
من المرجّح أن تستمرّ الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة، وثمّة حاجة ماسّة لضمان ألا يتسبب ذلك باشتعال المزيد من العنف والاضطراب. في سورية، ثمّة قوّتان متنافستان تعملان ضدّ تنظيم الدولة – القوّة الأولى تقودها أنقرة، أما الأخرى فيقودها حزب العمال الكردستاني (PKK)- وهما القوّتان المنخرطتان في صراع داخلي في الساحة التركيّة. لقد دعمت واشنطن كلتا القوتين في جهودهما للقضاء على تنظيم الدولة وحاولت في الوقت نفسه تقليل الصدام المباشر بينهما. على إدارة ترامب القادمة أن تضع في أولويّاتها خفض حدّة الصراع بين حلفائها الأتراك والأكراد في سبيل السيطرة السريعة على المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون. إذا تطوّر العنف بين الطرفين، فإنّ تنظيم الدولة سيكون هو المستفيد الأوّل.
لا يزال تنظيم الدولة الإسلاميّة معلناً خلافته في مناطق تمتدّ بين العراق وسورية، على الرغم من أنّ التنظيم قد خسر مساحات كبيرة من الأراضي في العام الماضي. حتى لو تمّت هزيمة التنظيم عسكريّاً، فإنّه ومجموعات راديكاليّة أخرى يُمكنها أن تعاود الظهور مالم يتمّ معالجة قضايا الحوكمة الكامنة وراء المشهد. لقد تمكّن تنظيم الدولة من الصعود بعد فشل مشابه سابق في العراق. فالتنظيم لا يزال يبشّر بأيدولوجيا تجتذب الشريحة الشابّة عبر العالم وتمثّل خطراً يتجاوز حدود العراق وسوريا، كما أظهرت الهجمات الأخيرة في إسطنبول وبرلين.
في العراق، تسبب الصراع ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة في إضعاف قدرة مؤسسات الدولة على الحكم، وتسبب بدمار هائل، وبحالات من تجنيد القُصّر، كما تسبب بصدمة المجتمع العراقي. لقد تحوّلت الأحزاب السياسيّة الكرديّة والشيعيّة إلى فرق متنافسة وإلى قوى برلمانيّة تعتمد على الدعم الإقليمي وتتنافس على موارد العراق. إنّ الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يتغذّى على مظلوميّة عميقة بين السنّة العرب، قد ضاعف الأضرار التي تسببت بها المجموعة الحاكمة. لتجنّب الأسوأ، على حكومات بغداد وكردستان أن تدعم وتضغط لكبح جماح المجموعات البرلمانيّة.
إذا تمّت إساءة استعمال النجاح الحالي للحملة العسكريّة المدعومة أميركيًّا لاستعادة الموصل، فإنّها قد تتحوّل إلى فشل. فبالإضافة إلى الجيش العراقي النظامي، والقوات الخاصّة لمكافحة الإرهاب، وعناصر الشرطة الفيدراليّة الذين يقودون العمليّة داخل المدينة، فإنّ ثمّة مجموعات محليّة مشاركة تبحث عن غنائم المعركة. كما إنّ إيران وتركيا تتنافسان على التأثير باستعمال عناصر محليّة. بقدر ما تطول هذه المعركة، بقدر ما ستقوم هذه المجموعات المختلفة بمحاولة استغلال الفرصة لإحراز مكاسب استراتيجيّة عبر السيطرة على المناطق، ومن ثمّ فإنّ عمليّة الاستقرار السياسيّ ستصبح أكثر تعقيداً.
ينبغي على العراق، المدعوم من الولايات المتحدة وبقيّة المشاركين، أن يستمرّ في الدعم العسكري واللوجستي للقوّات العراقيّة المتقدّمة في المدينة وتأسيس قوّات من المجنّدين المحليين لضمان الاستقرار في المناطق التي تمّت استعادتها من الدولة الإسلاميّة لضمان ألا تتحوّل المكاسب العسكريّة إلى خسائر مجدداً. كما إنّ عليهم أن يستأنفوا عمليّة إدماج فاعلين سياسيين محليين، يحظون بتأييد في مناطقهم.
2. تركيا
يبدو أنّ هجوم ليلة رأس السنّة – والذي خلّف 39 قتيلاً – يُنذر بالمزيد من العنف. لقد أعلن تنظيم الدولة الإسلاميّة مسؤوليّته عن الهجوم، وهو سلوك مخالف للنهج المعتاد للتنظيم في تركيا، وهو ما يُشير إلى حدوث تصعيد جديد. بالإضافة إلى الحروب التي تزداد سوءاً في سورية والعراق، فإنّ تركيا تواجه صراعاً متصاعداً مع حزب العمال الكردستاني. في ظلّ هذه الحالة من الاستقطاب السياسيّ، والضغوطات الاقتصاديّة، يبدو أنّ تركيا مستعدّة لمواجهة اضطرابات كبرى.
استمرّ الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني بالتصاعد عقب اتفاق وقف إطلاق النار في يوليو 2015. في هذا الوقت، دخل الصراع بين الطرفين مرحلته الأعنف منذ ثلاثة عقود من الصراع، الذي خلّف ما لا يقلّ عن 2500 قتيل من صفوف القوّات الأمنيّة والمدنيّين من الطرفين، ولا يزال الرقم مرشّحاً للارتفاع. لقد أدّت الاشتباكات والعمليات الأمنيّة إلى نزوح ما يزيد عن 350 ألف مدنيّ وتدمير عدد من المدن ذات الغالبيّة الكرديّة في جنوبيّ شرق البلاد، كما أدّى الهجوم المرتبط بحزب العمال الكردستاني في ديسمبر إلى مقتل 45 شخص بالقرب من أستاد كرّة القدم في اسطنبول. في المقابل، قامت الحكومة مجدداً بسجن ممثلّي الحركة الكرديّة، وهو ما يعني تعطيل قناة هامّة للاستقرار السياسي؛ الذي يجب أن يشمل حماية الحقوق الأساسيّة للأكراد في تركيا.
بالإضافة إلى الإشكالات القديمة، فإنّ هذا التصعيد ناشئ أيضاً عن مخاوف أنقرة المتزايدة من مكاسب الأكراد في سورية والعراق. لقد دفع ذلك، بالإضافة إلى المخاطر التي يمثّلها تنظيم الدولة، أنقرة لإرسال قوّاتها إلى البلدين، وهو ما يعني تورّطها أكثر وأكثر في مشاكل الشرق الأوسط المحتدم.
داخلياً، تستمرّ حكومة رجب طيب أردوغان في قمعها للمعارضة السياسيّة وتدفع باتجاه تعديلات دستوريّة تقود إلى نظام رئاسي؛ وهو ما يُتوقّع أن يُطرح للاستفتاء العام في بداية الربيع. في أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو الماضي، شنّت الحكومة حملة واسعة النطاق، قامت خلالها بتطهير ما يقرب من 100 ألف مسؤول في مؤسسات الدولة.
على الرغم من اعتماد حلفاء تركيا الغربيين على وجود شريك قويّ في الناتو في حدود أوروبا الجنوبيّة، فإنّ حلفاء تركيا قد وجّهوا انتقادات شديدة اللهجة للنهج السلطويّ لحكومة أردوغان. وقد ضاعف هذا من حجم التوتّر الذي نشأ عن تعطّل مسار المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول انضمام تركيا للاتحاد. في نوفمبر، ردّ أردوغان بغضب على انتقادات بروكسل، مهدداً بتمزيق اتفاقيّة اللاجئين ( مارس 2016)، والتي وافقت أنقرة فيها على منع تدفّق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. في تركيا، هناك ما يزيد عن 2.7 مليون لاجئ مسجّل؛ ويُشكّل اندماج اللاجئين تحدياً كبيرة للدولة وللمجتمع المضيف. اتسمت العلاقات التركيّة الأميركية بالتوتّر بعد التصعيد التركي ضدّ القوات الكرديّة، التي تدعمها الولايات المتحدة، وبعد مُطالبة تركيا واشنطن بتسليم العقل المدبّر للانقلاب؛ فتح الله غولن. لقد توصّلت تركيا إلى تقارب صعب مع موسكو، ولم تؤثّر حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا إلا في زيادة التقارب بين البلدين. تستمرّ تركيا في تجاهل حلفائها الغربيين وتندفع لإجراء ترتيبات جديدة مع روسيا وإيران. على أنّ العلاقة التركيّة الإيرانيّة لا تزال تعيش مساراً خطراً، بحكم الاختلافات الجوهريّة في تصوّرات الطرفين ومصالحهم في العراق وسورية.
3. اليمن
لقد تسببت الحرب في اليمن بكارثة إنسانيّة جديدة، بعد أن خلّفت دماراً واسعاً في البلد الذي يُعتبر أفقر دول العالم العربي. ومع وصول ملايين البشر الآن إلى حافّة المجاعة، فقد أصبحت الحاجة ماسّة إلى وقف شامل لإطلاق النار وإلى استقرار سياسي. لقد عانى اليمنيون من القصف الجوّي، والهجمات الصاروخيّة والحصار الاقتصادي. وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدّة، فإنّ ما يقرب من 4000 مدني قد قضوا نحبهم، وغالبيّتهم بسبب القصف الجوّي لطائرات التحالف الذي تقوده السعوديّة. إنّ جميع أطراف الصراع في اليمن متهّمة بجرائم حرب، بما في ذلك الاستهداف العشوائي للمدنيين.
دخلت المملكة العربيّة السعوديّة الصراع في مارس 2015 لمواجهة تقدّم الحوثيين، والتي تنظر الرياض إليها باعتبارها ذراعاً إيرانيّة. على الرغم من الحوثيين ليسوا متقاربين بشكل وثيق مع إيران الآن، فإنّ طهران مستفيدة من إبقاء السعوديّة عالقة في المستنقع اليمني.
يبدو أنّ كلا الطرفين عالق في دائرة من العنف المتصاعد والاستفزاز المتبادل، وعرقلة جهود الأمم المتحدة لاستئناف محادثات السلام. في نوفمبر، رفضت الحكومة اليمنيّة، المدعومة من الرياض بقيادة عبد ربه منصور هادي، خارطة الطريق المقترحة من الأمم المتحدة. في الشهر ذاته، شكّل الحوثيون وحلفاؤهم، بالدرجة الأولى من قوّات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حكومةً جديدة. على الرغم من هذه التحديات، فقد يكون من الممكن إقناع الأطراف بقبول خارطة الطريق على أساس القبول بتسوية تحدّ من الجوانب الإقليميّة للحرب وتُعيد المسألة إلى الشأن اليمني الداخلي. يعتمد الأمر على حسابات السعوديّة وعلى استعداد حلفائها الدوليين، بخاصّة الولايات المتحدة وبريطانيا، لتشجيع الرياض على دعم التسوية السياسيّة المتاحة. في حال فشل عودة العمليّة إلى مسارها الصحيح، فإنّ الأخطار الكبرى تتمثّل في صعود الحركات الجهاديّة، بما في ذلك القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة والدولة الإسلاميّة، وهو ما يهدد بتصاعد الفوضى في اليمن.
4. الساحل الأكبر وحوض بحيرة تشاد
ساهمت عدّة صراعات متداخلة في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد في المعاناة الإنسانيّة الهائلة القائمة هناك اليوم، والتي شملت نزوح ما يقرب 4.2 مليون إنسان من منازلهم. تتنافس المجموعات الجهاديّة، ومجموعات مسلّحة أخرى، بالإضافة إلى بعض الشبكات الإجراميّة على السلطة في تلك المنطقة الفقيرة، والتي تُعاني من انفلات حدودي وضعف في سيطرة الدولة.
في 2016، شنّ الجهاديون، المتمركزون في الساحل الأوسط، هجمات يوميّة على النيجر، بوركينا فاسو، وساحل العاج، وهو الأمر الذي يؤكّد هشاشة تلك المنطقة. لا تزال مجموعات القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم المرابطون نشطة في المنطقة، فيما يتنامى نفوذ جماعات تدّعي الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة. ويبدو أنّ من المرجّح أن تستمرّ الهجمات على المدنيين، بالإضافة إلى عناصر القوى القومية والدوليّة. تُعتبر مالي هي أخطر مناطق انتشار جنود حفظ السلام، حيثُ قُتل 70 فرد من عناصر الأمم المتحدة خلال أعمال إجراميّة منذ 2013.
قد تواجه مالي أزمة كبرى هذا العام، إذ يبدو أنّ اتفاقيّة باماكو للسلام (2015) معرّضة للمماطلة والتلكّؤ. إذ ساهم الانقسام مؤخّراً في الجسم الأكبر لتحالف المتمرّدين في الشمال، تنسيقيّة حركات الأزواد، في ظهور مجموعات مسلّحة جديدة وانتشار العنف في وسط مالي. على القوى الإقليميّة أن تستغلّ قمّة الاتحاد الإفريقي المقبلة في يناير لإحياء عمليّة السلام واستدخال القوى التي جرى تهميشها سابقاً. وتعتبر الجزائر عنصراً مهمّاً في الاستقرار إذ إنّها تمتلك دوراً مركزيّاً لتلعبة كوسيط للصفقة المرتقبة.
في حوض بحيرة تشاد، كثّفت قوات الأمن من نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد معاركها ضدّ تمرّد حركة بوكو حرام. في نهاية ديسمبر أعلن الرئيس النيجيري عن الهزيمة النهائيّة لإرهابيي بوكو حرام في آخر معاقلهم في غابات سامبيسا، ولكنّ الحركة لم تنتهِ فعلاً. وعلى الرغم من الخلافات داخل قيادة الحركة الجهاديّة، فإنّ الحركة لا تزال مرنة وعدوانيّة. على الرغم من أنّ التركيز الدولي ينصبّ على اختطاف بوكو حرام للنساء والبنات الأطفال واستغلالهم، فإنّ على صنّاع القرار أن يُلاحظوا بأنّ بعض النساء قد التحقن بالحركة بشكل طوعي بحثاً عن فرص اقتصاديّة واجتماعيّة. إنّ فهم الطرق المختلفة التي تخوض بها النساء هذه الصراع يجب أن يدفعنا باتجاه إيجاد استراتيجيّة لإزالة جذور التمرّد من أساسها.
إنّ تمرّد بوكو حرام، والمواجهة العسكريّة العنيفة لها، وضعف الدعم للعالقين في الصراع يهدد بخلق دوامة لا نهائيّة من العنف واليأس. إن لم تصل الحكومات إلى تولّي مسؤوليّتها الفعليّة عن الكارثة الإنسانيّة، فإنّ ذلك يُمكن أن يُفاقم عزلة المجتمعات المعرّضة للمأساة ويُمكن أن يؤدّي إلى حركات تمرّد لاحقة. على الدول أن تستثمر أيضاً في التطوير الاقتصادي وتعزز من قوّة الحكومات في دول الصراع لإغلاق الطريق أمام المجموعات المتطرّفة.
5. جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة
تلقّت جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة أنباءً جيّدة قبل منتصف ليلة رأس السنّة الجديدة عندّما أعلن الأساقفة الكاثوليك التوصّل إلى صفقة لحلّ الأزمة السياسيّة التي تعصف بالبلاد. حتى الآن، لم يُوقّع الرئيس جوزيف كابيلا على الاتفاقيّة، التي تتطلّب منه التنحّي بعد عقد الانتخابات، أي قبل نهاية 2017. على الرغم من انعدام الثقّة بين الأحزاب، فإنّ الصفقة التي توسّطت الكنيسة الكاثوليكيّة الكونغوليّة لعقدها لا تزال هي الفرصة الأفضل للمضي إلى الأمام. تتمثّل التحديات الكبرى الآن في الاستعداد للانتخابات والانتقال السلمي للسلطة خلال مدّة وجيزة، وهو ما يحتاج دعماً دوليّاً قويّاً.
إنّ إصرار كابيلا على التمسّك بالسلطة بعد انقضاء فترة رئاسته الثانيّة، وهو الأمر الذي ينتهك دستور الكونغو، قد واجه معارضة كبيرة وحركة احتجاج عنيفة في الشوارع خلال 2016؛ وهو ما يهدد بانتشار أوسع للعنف. إنّ الفساد المستشري في الكونغو، بالإضافة إلى سياسة الاستحواذ على كافّة المكاسب تعني أنّ كابيلا وفريقه لن يتنازلوا بسهولة عن السلطة، نظراً لما سيخسرونه جراء ذلك. ينبغي على الإفريقيين والقوى الغربيّة أن تنسّق جهودها لسحب الكونغو من الهاوية الوشيكة ومنع نشوء حالة جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة. لا تمتلك المونوسكو MONUSCO، أكبر بعثة للأمم المتحدة للحفاظ على السلام، القدرة الكافية للتعامل مع مثل هذه التحديّات وستكون أكثر فعاليّة لو ضيّقت دورها، مبتعدة عن بناء المؤسسات ومركّزة على المساعي الحميدة ومراقبة واقع حقوق الإنسان.
في سبتمبر الماضي، قُتل ما يقرب من 53 شخص، غالبيّتهم على يد القوات الأمنيّة، عندما تظاهروا ضدّ حكم كابيلا بعد انتهاء رئاسته، وهو الأمر الذي أدّى إلى العنف. لقد تسببت الاشتباكات بين قوّات الأمن والمحتجّين في عدّة مدن مع نهاية ولايته الرسميّة في 19،20 ديسمبر، في مقتل ما لا يقلّ عن 40 شخص بحسب التقارير. من المرجّح أن يستمرّ العنف في حال تأجلّت الانتخابات. سيكون ائتلاف المعارضة الرئيسي، التجمّع، مستعدّاً لتسخير الاحتجاجات في الشوارع لمحاولة إجبار كابيلا على التنحّي. كما يساهم التوتّر السياسي في مدينة كينشاسا في زيادة العنف في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الجزء الشرقي الممزّق بالصراعات.
6. جنوب السودان
بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهليّة، لا تزال الدولة الجديدة تُعاني من صراعات متعددة. إذ تُغذّي المظالم من الحكومة المركزيّة بالإضافة إلى دوّامة العنف الإثني، الصراعَ الذي تسبب حتى الآن في تهجير 1.8 مليون شخص وإجبار نحو 1.2 مليون شخص على الفرار من البلد. لقد كان ثمّة اهتمام دولي كبير بالتقارير التي أشارت إلى حدوث مجازر جماعيّة وبضعف تطبيق اتفاقيّة السلام (2015). في ديسمبر، دعا الرئيس سيلفا كير لإعادة تفعيل وقف إطلاق النار، وإلى حوار وطني لدعم عمليّة السلام والمصالحة. إنّ نجاح هذه الجهود يعتمد على استعداد الحكومة الانتقاليّة للتفاوض مع المجموعات المسلّحة والتجاوب مع المجتمعات الساخطة على أبسط المستويات.
خرجت اتفاقيّة السلام، المدعومة دولياً، عن مسارها في يوليو 2016، عندما نشب القتال في جوبا بين القوّات الحكوميّة والمتمرّدين السابقين. في تلك الأثناء فرّ زعيم المعارضة ونائب الرئيس السابق رياك مشار من البلاد، بعد أن كان قد عاد إلى جوبا بعد توقيع الاتفاقيّة. تمكّن كير من تعزيز سلطته ومنصبة في العامة وفي المنطقة بالعموم، وهو ما خلق فرصة للتقدّم في المفاوضات مع عناصر من المعارضة المسلّحة، بما في ذلك المجموعات التي لم تكن جزءاً من الحكومة الانتقاليّة.
لقد تحسّن الوضع الأمني في جوبا في الأشهر الماضيّة، على الرغم من استمرار القتال والعنف الإثني في أماكن أخرى من البلاد. تتركّز جهود الدبلوماسيّة الدوليّة على نشر 4000 عنصر من قوّات حماية إقليميّة قويّة ؛ وهو مجرّد إلهاء لن يُفيد شيئاً في إخماد الصراع أو منع اندلاع عنف أكبر، كما إنّه سيُوجّه الانتباه بعيداً عن الانخراط السياسي العميق المطلوب لتعزيز السلام. تحتاج قوّات حفظ السلام الموجودة في جنوب السودان، UNMISS، إلى تجديد فوري؛ وقد اتضح ذلك عقب فشلها في حماية المدنيين خلال أحداث العنف في يوليو الماضي. إن بصيص الأمل يكمن في التقارب الدقيق الجاري بين جنوب السودان، وأوغندا والسودان، والذي يُمكن أن يؤدّي يوماً إلى دعم حالة أكبر من الاستقرار.
7- أفغانستان
تمثّل حالة عدم الاستقرار السياسي والحرب في أفغانستان تهديداً جدّياً للسلام والأمن الدولي، بعد مرور 15 عاماً على تنحية طالبان عن السلطة، على يد قوّات التحالف الذي قادته أميركا في سياق حملتها الأوسع لهزيمة القاعدة. اليوم، بدأت طالبان باستعادة أرضيّتها؛ فشبكة حقّاني مسؤولة عن الهجمات في المدن الكبرى؛ كما تبنّى تنظيم الدولة الإسلانيّة مسؤوليّته عن سلسلة من الهجمات التي استهدفت مسلمين شيعة؛ وهو ما يُشير إلى أنّ التنظيم عازم على إشعال حرب طائفيّة. لقد وصل عدد الاشتباكات المسلّحة في العام الماضي إلى أعلى مستوياته منذ بدء الأمم المتحدة بتسجيل الحالات في 2007، مع خسائر عديدة في صفوف المدنيين. إنّ هذا الضعف في أداء القوّات الأمنيّة الأفغانيّة يهدد بترك مساحات واسعة من الأراضي التي لا تصل إليها يد الحكومة عُرضة لاستغلال المجموعات المقاتلة المحليّة والعابرة للحدود منها.
على الرغم من كونها الحرب الأطول لأميركا، إلا أنّ القضيّة الأفغانيّة بالكاد حظيت بنقاش أثناء الانتخابات الرئاسيّة. لا تزال سياسات ترامب بخصوص أفغانستان غير واضحة، على الرغم من أنّه أعرب مراراً عن شكوكه بشأن بناء الدولة. لقد اختار ترامب الجنرال المتقاعد مايكل فلين، ليكون مستشاره للأمن القومي، وقد شغل فلين سابقاً قيادة العمليات الخاصّة المشتركة في أفغانستان والعراق. إنّ تركيز فلين المعلن على الإرهاب الإسلامي المتطرّف باعتباره الخطر العالميّ الأكبر يُسيءُ تشخيص المشكلة، وقد يؤدّي إلى تداعيات مقلقة في أفغانستان وخارجها. إذ يجب أن تكون الاستراتيجيّة موجّهة لنقاش الاستقرار مع طالبان، وهو ما يتطلّب تقارباً إقليميّاً أكبر ومشاركة من الصين. في هذه الأثناء، شكّلت روسيا وباكستان والصين مجموعة عمل في أفغانستان بهدف معلن وهو إنشاء بُنية إقليميّة مناهضة للإرهاب. في حين تُركت كابول خارج هذه المشاورات الثلاثيّة.
لقد كانت العلاقات بين أفغانستان وباكستان متوتّرة منذ أمد طويل بسبب دعم إسلام أباد لطالبان وغيرها من الحركات المسلّحة. وقد تصاعد هذه التوتّر في الخريف الماضي حين أُجبر آلاف اللاجئين الأفغان في باكستان على الهرب من العنف والاعتقالات والمضايقات المتزايدة. لقد ازدادت أزمة اللاجئين سوءاً مع خطّة الأمم المتحدة لترحيل 80 ألف من طالبي اللجوء إلى أفغانستان من جديد؛ وهي استجابة مدفوعة سياسيّاً بسبب الحالة الإنسانيّة الطارئة. يأتي كلّ ذلك في ظلّ أزمة اقتصاديّة تعيشها البلاد تزيد من الأعباء والضغوطات على الدولة الضعيفة المهددة.
8. ميانمار
وعدت الحكومة المدنيّة الجديدة برئاسة أونغ سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام بتحقيق السلام والمصالحة الوطنيّة باعتبارها أعلى أولويّاتها؛ على أنّ اندلاع العنف مجدداً يُعرّض الجهود المبذول لإيقاف الصراع المسلّح الذي دام لـ70 سنة للخطر. في نوفمبر، نفّذ التحالف الشمالي، المكوّن من أربع مجموعات مسلّحة، هجمات غير مسبوقة على أهداف مدنيّة في مناطق تجاريّة على تخوم الحدود الصينيّة، مما صعّد الحالة القتاليّة في الشمال الشرقي من البلاد. وهو ما لا يُبشّر بخير بخصوص تقدّم الدورة القادمة لمؤتمر بانغلولنغ المقرر في فبراير، الذي يهدف إلى جمع الجماعات الإثنيّة المسلّحة الكبرى معاً بهدف إحياء عمليّة السلام.
في هذه الأثناء، تجددت المخاوف الدوليّة من مصير مسلمي الروهينغا. فقد شهدت هذه الأقليّة عمليّة متزايدة من فقدانها لحقوقها خلال السنوات الماضيّة، بخاصّة بعد العنف ضدّ المسلمين في ولاية راخين في 2012. لقد اشتعلت الجولة الأخيرة من العنف في راخين عبر سلسلة من الهجمات في أكتوبر ونوفمبر استهدفت الشرطة الحدوديّة والجيش في منطقة قريبة من الحدود الشماليّة الغربيّة لميانمار مع بنغلاديش. ردّت القوّات الأمنيّة بقسوة عبر حملة أمنيّة لم تُميّز بين المدنيين والمسلّحين، مع مزاعم بوجود حالات إعدامات غير قانونيّة وحالات اغتصاب وحرق. مع حلول منتصف نوفمر، وصلت تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ ما يقرب من 27 ألف من الروهينغا قد فرّوا إلى بنجلادش. وأصدر 12 من الحائزين على جائزة نوبل للسلام خطاباً مفتوحاً إلى أونغ سان سو كيي منتقدين فشلها في الحديث عن الانتهاكات والدعوة إلى مواطنة متساوية الحقوق للروهينغا.
نفّذت حركة اليقين ( حركة فاتح) هجماتها المسلّحة الأولى، ويُعدّ ظهور الحركة تغييراً ممكناً في قواعد اللعبة في ميانمار. على الرغم من أنّ الروهينغا لم يكونوا أقليّة راديكاليّة في السابق، فإنّ الاستجابة العسكريّة العنيفة للحكومة تزيد من احتماليّة انتشار العنف. إذ يُمكن أن تُستغلّ هذه المظالم من قبل جهاديين معولمين ليحاولوا توظيفها ضمن أجندتهم، وهو ما يهدد باشتعال حالة من التوتّر الديني في البلد ذي الغالبيّة البوذيّة.
9. أوكرانيا
بعد حوالي 3 سنوات وما يقرب من 10 آلاف قتيل، أصبح التدخّل العسكري الروسي محدداً لكافّة جوانب الحياة السياسيّة في أوكرانيا. هكذا أصبح أوكرانيا، المنقسمة بسبب الصراع والمتضررة بسبب الفساد، موشكة على الدخول في مرحلة أكبر من عدم اليقين. يُثير إعجاب الرئيس ترامب العلني بالرئيس فلاديمير بوتين مخاوف كييف، بالإضافة إلى الشائعات التي تُشير إلى إمكانيّة رفع العقوبات عن روسيا. لقد توقّف تنفيذ اتفاقيّة مينسك للسلام (فبراير 2015)، فيما تمكّنت روسيا من الاقتراب من تحقيق اثنين من أهدافها في الصراع الأوكراني: تأسيس كيانات سياسيّة مؤيّدة لروسيا في شرق أوكرانيا، وتطبيع ضمّها لشبه جزيرة القرم، التي بدأت الحرب في 2014.
ثمّة حالة متزايدة من خيبة الأمل في أوكرانيا من القادّة الذي وصلوا إلى السلطة عبر مظاهرات ميدان في بدايات 2014، والذين أصبحوا يمثّلون، أكثر وأكثر، نخبة أوليغاركيّة فاسدة. لقد تضائل الدعم الغربي للرئيس بيترو بوروشينكو نظراً لعدم رغبة كييف أو عدم قدرتها على إنجاز وعود الإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد. قد تتضاعف مشكلة بوروشينكو إن عُقدت انتخابات برلمانيّة مبكّرة في 2019، حيث ستتمكّن الأحزاب المؤيّدة لروسيا من زيادة حظوظها.
على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يضغطوا على كييف للقيام بإصلاحات جادّة، مع استعمال أدوات ديبلوماسيّة قويّة مع موسكو، تتضمّن الإبقاء على العقوبات. يجب أن يقتنع بوتين بأنّ العودة إلى الوضع الطبيعي في أوروبا غير ممكن طالما أنّه يستعمل أشكالاً هجينة من الحرب لإبقاء الوضع غير مستقر في أوكرانيا. إنّ تكتيكات روسيا –بما في ذلك استعمال القوّة، أو هجمات السايبر الإلكترونيّة، أو الدعاية السياسيّة، أو الضغوط الاقتصاديّة – تُمثّل أجراس إنذار ترنّ في المنطقة.
10. المكسيك
لا شكّ بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد مستويات عالية من التوتّر بين الولايات المتحدة والمكسيك، بعد وعود ترامب ببناء جدار حدودي، وطرد ملايين من المهاجرين غير الشرعيين، وإنهاء اتفاقيّة التجارة الحرّة في أميركا الشماليّة. لقد صوّر ترامب المهاجرين المكسيكيين على أنّه مجرمون، وتجّار مخدّرات، ومغتصبون معتمداً على دعم المجموعات القوميّة البيضاء. في جهود مبكّرة لتجنّب هذه المواجهة المستقبليّة، دعا الرئيس المكسيكي إنريكة بينيا نييتو المرشّح ترامب لزيارة المكسيك في سبتمبر؛ وهي الحركة التي أفضت إلى نتائج عكسيّة في الرأي العام المكسيكي الغاضب أساساً من معدّلات الجريمة المرتفعة، والفساد، والاقتصاد الضعيف.
يُدرك بينيا نييتو بأنّ المكسيك لا يُمكن أن تُقدم على معاداة جارتها القويّة. ولكنّ النخب السياسيّة والاقتصاديّة المكسيكيّة لا تمتلك القوّة لإقناع ترامب ومستشاريه بتعديل هذه المواقف حول الهجرة والتجارة الحرّة. إذا كانت الولايات المتحدة ستنتهج سياسة الترحيل الجماعي، فإنّ ذلك سيُهدد بنشوب أزمة إنسانيّة وأمنيّة كبيرة. إنّ اللاجئين والمهاجرين من المكسيك وأميركا الوسطى هاربون من مستويات مأساويّة من العنف ومن حالة مزمنة من الفقر. لقد كشفت دراسة استقصائيّة في 2016 بأنّ العنف المسلّح في المكسيك والمثلّث الشمالي في أميركا الوسطى قد تسبب بمقتل 34 ألف شخص، وهو عدد يفوق من قُتلوا في أفغانستان خلال المدّة نفسها. إنّ تصعيد الملاحقات وترحيل المهاجرين غير الشرعيين وضبط الحدود ستجعل المهاجرين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتيّة يلجؤون إلى قنوات أكثر خطراً؛ مستعينين بعصابات الجريمة والضباط الفاسدين. يُمكن للولايات المتحدة أن تخدم مصالحها بطرق أفضل عبر تعزيز قوّة جارتها المكسيك، عبر التعامل مع الفشل البنيويّ الذي أدى إلى صعود الفساد والعنف.
[email protected]