مني الاحد الماضي حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي بزعامة أنغيلا ميركل بخسارة محرجة في الدائرة الانتخابية التي تُعتبر معقلها الخاص٬ حيث رحّل الناخبون في الانتخابات البرلمانية المحلية حزب المستشارة إلى المركز الثالث٬ في حين اعطوا دفعا لخصمها اللدود الجديد حزب "البديل من أجل ألمانيا" المناهض للمهاجرين.
وفي التصويت٬ جاء الحزب الديموقراطي الاشتراكي٬ الذي ينتمي ليسار الوسط في المقدمة حيث حصل على 30.6 في المئة من الأصوات٬ يليه حزب "البديل" من أجل ألمانيا بنسبة 20.8 في المئة ثم حزب ميركل في المركز الثالث مع حصوله على 19 في المئة من الأصوات، ما يعد أسوأ أداء له على الإطلاق في الولاية.
ويتوقع ان يتكرر الامر نفسه هذا الاحد في الانتخابات المحلية في العاصمة في برلين حيث يتوقع ايضا ان يواصل الشعبويون في حزب البديل طفرتهم. فقد دعي نحو2,5 مليوني ناخب من سكان برلين الى التصويت لتجديد البرلمان المحلي في العاصمة. وسيكلف البرلمان المنتخب تعيين رئيس لبلدية المدينة التي يديرها منذ15 عاما الحزب الاشتراكي الديموقراطي بالموازاة مع ضعف المعسكر الحافظ الموالي للمستشارة.
وفي حال تصدر الحزب الاشتراكي الديموقراطي النتائج بنسبة اكثر من 20 في المئة بحسب الاستطلاعات فيرجح الا يجدد تحالفه مع حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي الذي يتوقع حصوله على 19 في المئة ، في ائتلاف مستمر منذ خمس سنوات في ادارة المدينة.
في المقابل يبدو تحالف ثلاثي بين الاشتراكي الديموقراطي بقيادة رئيس البلدية المنتهية ولايته ميكايل مولر واليسار المتشدد في حزب دي لينكه والخضر اكثر ترجيحا. لكنه سيمثل صفعة اضافية لحزب انغيلا ميركل.
غير ان الانظار ستتّجه الى شعبويي اليمين في حزب البديل لالمانيا الذين يتوقع ان يترجموا نجاحاتهم الانتخابية في عدد من المناطق ، بالدخول في البرلمان المحلي الجديد للعاصمة بنسبة 14 الى 15 في المئة من الاصوات، بحسب مؤسسات الاستطلاعات.
ومن شأن النتائج التي صدرت وتلك التي ستصدر ان تؤشر الى الطريق الشاق الذي ينتظر ميركل في وقت تفكر في ما إذا كانت ستخوض محاولة رابعة لقيادة ألمانيا في الانتخابات الوطنية العام المقبل. وعلى رغم أن دائرتها الانتخابية في ولاية ميكلينبيرغ ويست بوميرانيا هي واحدة من أقل الولايات الألمانية من حيث عدد السكان٬ إلا أن النتيجة أبرزت إلى أي مدى عزز القرار الذي اتخذته العام الماضي بفتح أبواب ألمانيا أمام تدفق تاريخي من طالبي اللجوء من موقف حزب "البديل". وفي الواقع٬ فإن الانتخابات المحلية تأتي بعد مرور عام على اعلان ميركل أن ألمانيا ستستمر في السماح بدخول المهاجرين الذين كانوا في مأزق في المجر٬ التي أغلقت حدودها العام الماضي مع ارتفاع طالبي اللجوء السياسي. وقد ألقى أعضاء بارزون في حزبها الذي ينتمي الى يمين الوسط٬ وكذلك في حزبه الشقيق٬ الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بفاريا٬ باللوم على سياسة ميركل في ما يتعلق باللاجئين٬ كونها السبب في هذه النكسات٬ ووصفوا النتائج المسجلة حتى الان بأنها "هزيمة مريرة" و"دعوة للاستيقاظ". وقال الأمين العام لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي بيتر تاوبر: "إن الأمر يتطلب بعض الوقت لاستعادة الثقة المفقودة".
"لا يثير حماسة كبيرة"
واعتبر المحلل السياسي الالماني نيلس ديدريش ان هذا الاستحقاق "لا يثير حماسة كبيرة". لكنه شدد على ان الرهان الفعلي يكمن في رصد "حجم خسائر الاحزاب الكبرى لصالح البديل لالمانيا قبل عام من الانتخابات الاشتراعية. فهذا الحزب الفتي الذي جعل من رفض استقبال المهاجرين محور خطابه يسلب جميع التشكيلات الاخرى اصواتا "من الخضر الى الاشتراكيين الديموقراطيين مرورا بالمسيحيين الديموقراطيين" بحسب الباحث.
اضاف ديدريتش "اعتقد ان البديل لالمانيا سيعبّئ الممتنعين عن التصويت، اولئك الذين يعتمدون مواقف يمينية محافظة لكنهم لم يكونوا مستعدين حتى الان للتصويت لمتشددي اليمين" الذين يحنّون الى ايام الرايخ الثالث.
كما انه يجذب الذين يرفضون النخب السياسية المسيطرة على الساحة السياسية منذ 1945، نظرا الى مدى تمويه تحالف المسيحيين الديموقراطيين والاشتراكيين الديموقراطيين في الحكومة الفيديرالية لهوية الاحزاب الاخرى.
وأثبتت النتائج القوية التي حصل عليها "البديل" حتى الان في الانتخابات المحلية في ثلاث ولايات ألمانية في شهر مارس الماضي٬ أن الحزب٬ الذي تأسس عام ٬2013 يبرز كقوة سياسية كبيرة. وقد دأب مرشحوه في خطاباتهم الانتخابية على تحذير الناخبين في شأن الجرائم والحالة الأمنية التي سادت في أعقاب تدفق المهاجرين وجذبوا الانتباه إلى تراثهم الألماني الخاص. وقالت زعيمة الحزب فروك بيتري "إن ميركل نفسها هي المسؤولة عن فشل حزبها... ويمكن للمرء أن يصف هذا بأنه بداية النهاية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي".
تحرك بشكل بطيء
وعلى رغم من أن اعداد المهاجرين إلى ألمانيا تراجعت بشكل حاد بسبب الرقابة على الحدود في دول البلقان واتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا٬ إلّا أن نقّادًا محليين لا يزالون يعتبرون إن الحكومة الألمانية تتحرك بشكل بطيء في التعامل مع طلبات اللجوء وترحيل اللاجئين الذين لا تنطبق عليهم شروط اللجوء السياسي. وقال وزير المال في ولاية بافاريا ماركوس سودر٬ وهو عضو في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي٬ إن ميركل يجب أن تبذل مزيداً من الجهد للقضاء على المهاجرين. واضاف لصحيفة "بيلد" "يجب أن تكون النتيجة دعوة للاستيقاظ. فلم يعد من الممكن تجاهل مزاج الشعب. وهناك بالطبع حاجة إلى التغيير في برلين.
وعلى رغم تقدم حزب الاتحاد الديموقراطي الاشتراكي في معظم الجولات الانتخابية٬ فإنه هو ايضا وأحزاب اليسار الأخرى خسروا ناخبين لمصلحة "البديل"، ما يشير إلى أن هذا الحزب لديه القدرة على صيد الناخبين من كلا جانبي الطيف السياسي. بيد أن هذا لم يكن مريحا إطلاقا بالنسبة لحزب ميركل الذي صار الآن في موقف دفاعي، في وقت ينتظر الألمان سماع قرارها بالنسبة للترشح العام المقبل، وهو القرار الذي قالت إنها لن تتخذه حتى الربيع.
لكن وعلى رغم كل النكسات فإن ميركل لا تزال في موقف قوي نسبياً. فالعامل الأكبر الذي يصب في مصلحتها هو غياب منافس سياسي كفيّ قادر على مجاراتها في السباق على المستوى الوطني.
[email protected]