أثار شريط الفيديو الذي أعده رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قبل أيام، وتضمن زعمه بالاعتذار للمواطنين العرب في إسرائيل، سخرية إلى جانب تساؤلات حول الأسباب التي دفعته إلى القيام بهذه الخطوة المفاجئة. إذ لا شك أن نتنياهو لا يحب العرب ولا الخير لهم، ولا يوهم نفسه بأنهم سيصوتون له.
واعتبرت الصحافية في صحيفة يديعوت أحرونوت، نيحاما دويك، اليوم الجمعة، أن اعتذار نتنياهو للعرب عن مقولته العنصرية في يوم الانتخابات العامة للكنيست، قبل سنة ونصف السنة، بأن العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع من أجل حث ناخبي اليمين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع وعدم التقاعس، مشابه لاعتذار قدمه ايهود باراك، باسم حزب العمل لليهود الشرقيين في العام 1997. وسعت الصحافية إلى محاولة استيضاح سبب فيديو الاعتذار من جانب نتنياهو.
وأشارت دويك إلى أن نتنياهو قال في مستهل اجتماع حكومته الأخير، يوم الأحد الماضي، إنه ستقرّ الحكومة اليوم القانون الذي يقضي بتعزيز تطبيق القانون في مجال التخطيط والبناء. وزعم أن حكومتنا تستثمر موارد كثيرة جدا في تطوير الوسط العربي في مجالات الاقتصاد والتعليم والمواصلات والإسكان وإلخ. وإلى جانب ذلك نعمل على تطبيق قانون واحد على الجميع بدون استثناء ومن الجدير أن هذا الواقع سيسود في دولة إسرائيل وقد حان الوقت لذلك. وكان نتنياهو قد ادعى خلال الاجتماع نفسه بأنه يحمي الإعلام وحريته، في الوقت الذي يُتهم فيه بأنه يقمع الإعلام ويسعى إلى السيطرة عليه تقييد حرية التعبير.
لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وفقا لدويك، اهتمت بنشر أخبار حول أقوال نتنياهو عن الإعلام ولم تلتفت إلى أقواله عن المواطنين العرب. وعلى أثر ذلك عقد نتنياهو اجتماعا مع مستشاريه، تقرر فيه أنه إذا لم تنشر وسائل الإعلام أقواله المتنورة عن العرب، فإن رئيس الحكومة سينشرها من خلال فيسبوك. وتم، يوم الأحد نفسه، استدعاء طاقم تصوير ومكياج وتصفيف شعر، وجرى إعداد الشريط المصور.
لكن خطأ تقنيا حدث في الشريط، ما أدى إلى استدعاء طاقم التصوير والمكياج وتصفيف الشعر إلى مكتب رئيس الحكومة مرة أخرى في اليوم التالي، وجرى إعداد الشريط المصور في ساعة متأخرة من مساء الاثنين الماضي، ونشره في صفحة الفيسبوك الحكومية لنتنياهو، التي يتابعها 127 ألفا وليس في صفحة نتنياهو السياسية في موقع التواصل الاجتماعي هذا، التي يتابعها أكثر من مليون شخص.
هذه رواية مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكأنه لا توجد أجندة خفية من وراء فيديو الاعتذار. إلا أن دويك أشارت إلى أنه كانت هناك مؤشرات لحدوث اعتذار كهذا منذ شهر، في مقال نشره مدير مكتب نتنياهو السابق ,أكثر المقربين إليه، نتان إيشل، وتحدث فيه عن الحاجة إلى المصالحة بين إسرائيل والعالم العربي.
وأضاف الصحافية أن إيشل قال لمقربين منه إن هذا (الاعتذار) هو جزء من عملية متكاملة للمصالحة مع العالم العربي المعتدل، والطريق إليها تمر عبر عرب إسرائيل. وتعززت هذه الحاجة في أعقاب الزيارة لأفريقيا واستئناف العلاقات مع مالي.
وتابعت دويك أن الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ما زالوا مستائين من تفوهات نتنياهو العنصرية في يوم انتخابات الكنيست. وبما أن نتنياهو سيشارك بافتتاح دورة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد شهرين، تعين عليه تحسين الانطباع تجاهه. وأضافت أن مقربين من نتنياهو قالوا، في محادثات مغلقة، إن الولايات المتحدة وجهت رسائل لنتنياهو مفادها أن عليه أن يجد طريقة لتوضيح تفوهاته العنصرية وتجميلها. لكن مسؤولا رفيعا بمكتب رئيس الحكومة نفى ذلك ووصفه بأنه هراء وأنه لا توجد أية ضغوط.
وقال المستشار الإستراتيجي، غيل سمسونوف، الذي عمل إلى جانب نتنياهو في الماضي، إن الاعتذارات التي قدمها سياسيون في الماضي، وبينهم باراك، كانت تهدف إلى كسب تأييد سياسي، وباراك فاز بانتخابات العام 1999 في أعقاب اعتذاره لليهود الشرقيين. لكن توجه نتنياهو إلى الجمهور العربي معاكس لذلك. وهذا التوجه لا يلفيى تأييدا في صفوف اليمين ومن شأنه أن يلحق ضررا بالانتخابات. وبيبي (نتنياهو) لا يطلب ولا يريد تأييد العرب. وهو فعل ذلك انطلاقا من اعتبارات منصبه الرسمي واعتبار اقتصادي صحيح.
لكن نتنياهو تحدث في فيديو الاعتذار بالانجليزية. وقال المستشار الإستراتيجي، موشيه رابي، إن حقيقة أن بيبي نشر أقواله في صفحة الفيسبوك ذات العدد الأقل من المتابعين، هي إثبات على أنه لم يكن بحاجة للإدلاء بها لأسباب داخلية، وإنما لاحتياجات خارجية. وكذلك الأمر بالنسبة لتحدثه بالانجليزية. إذا أن هذا الموضوع ليس مطروحا على الأجندة الإسرائيلية... وبتقديري أن الحديث يدور عن ضغوط أميركية. وعلى ما يبدو أن المقربين منه، وفي مقدمته (السفير بواشنطن) رون ديرمر، نقلوا إليه الشعور في الولايات المتحدةبأن تلك المقولة (العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع) كانت إشكالية وجدير به أن يعتذر قبل أن يصل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولفت رابي إلى أن اعتذارا كهذا تغير الأجندة اليومية في إسرائيل. فمن أجل عدم التحدث عن التحقيقات ضده، هاجم وسائل الإعلام، ومن أجل حرف النقاش حول الإعلام، حصلنا على اعتذار للعرب. وحقيقة أن العرب رفضوا الاعتذار تخدم مصلحته. فهدفه الأعلى ليس أن يغرم به اليسار أو أن يصوت العرب له. وقد تحدث بالانجليزية ليس إلى سكان المثلث، وإنما إلى صناع القرار في الولايات المتحدة.
[email protected]