واحد من الأعمال الدرامية المثيرة للإهتمام ضمن باقة مسلسلات تعرض خلال الموسم الرمضاني عبر شاشة MTV اللبنانية، هو مسلسل "ياريت" للكاتبة كلوديا مرشليان والمخرج فيليب أسمر، الذي يطرح قضايا إنسانية جدية كثيراً ما أهملتها المعالجة الدرامية الجريئة والواضحة.
فمع مجموعة من نجوم الشاشة اللبنانيين والعرب، كمنى واصف، ، ماغي بو غصن، مكسيم خليل، باميلا الكك، قيس الشيخ نجيبب ، وسام حنا ،نهلا داود،جوزف بونصار،هاني عادل وغيرهم، تنسج الكاتبة حكاية جديدة فيها محاولة دخول عميق إلى واقع العلاقات الإنسانية، وخصوصا العلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة، فتأخذنا إلى ما تحمله كل شخصية من روافد ماضية في بنائها الأسري، وتقاليد قاسية ظالمة للمرأة وترخي بنتائجها على جيل جديد، مقيم أو مغترب، واكب المتغيرات الحضارية لكنه بقي يحتفظ بما تضخه الذاكرة الأولى من ألم وصور من شأنها أن تؤثر في خياراته الشخصية.
"ياريت" يبدو ضمن هذا الإطار، حكاية واحدة في حكايات، منها ما يتعاطف مع واقع المرأة في بلادنا حيث تعيش مسحوقة أمام ذكورية المجتمع، ومنها ما يشير إلى نوع من عدم التوازن الذي يعيشه العربي المغترب بين مفاهيم التحرّر الإنساني وبين النزعة النفسية والإجتماعية بالعودة الى البيئة الأصلية ومفاهيمها. فإذا كانت الحكاية تبدأ من نهاية أمّ سورية (أنطوانيت نجيب) قاست الإضطهاد الأسري ثمّ الحرب والتهجير والفقر، فإن القصة أرادت أن تبدأ من موت الأم على سرير المرض وعودة الابن المغترب (مكسيم خليل) لتستيقظ مع حضوره جروح الماضي والتقاليد الأسرية التي ظلمت والدته وقضت على حياة شقيقته الصغرى.
يستطيع المشاهد هنا أن يلتمس التناقض في شخصية الرجل، كما هو معالج في "يا ريت"، فحقد "إياد" على الموروثات التقليدية لم يلغ التباس شخصيته ونزعته نحو الخيانة وتعدد العلاقة، كما أن انطلاق (جنى) نحو مفاهيم الحرية في بلاد الإغتراب لم يمنحها الاستقرار النفسي والعائلي ولم يمنع ما يلاحقها في تجاربها الأولى من ظلم وعنف أسري. في "ياريت" تلتبس علاقة الرجل والمرأة، والزوج والزوجة لتستحيل أحياناً مرضية، ولتدفع جيل الأبناء إلى العلاقات الأكثر ميلاً نحو الرغبة والأهواء الخالصة منها الى القواعد الحياتية المتعارف عليها. مرشليان لجأت إلى كتابة عاقلة وشفافة، لا إلى كتابة "نسوية" منحازة وسطحية، فالعمل المنسوج درامياً ومشهدياً بشكل متماسك يسعى الى تسليط الضوء على اهتراء اجتماعي لا يزال قائماً في بلاد تجتاحها الحروب والأزمات فتضع هذه المجتمعات الواهنة أصلاً، أمام شتى المتغيرات، مما يجعلها أكثر انكساراً
[email protected]