تحت عنوان "في الأرض المقدسة أكوام الحجارة تحظى بأهمية أيديولوجية هي موضع خلاف" كتب جايلز فريزر وهو كاهن في إحدى كنائس لندن وكاتب أعمدة في صحيفة الغارديان البريطانية، أن الحجاج المسيحيين الذين يزورون الأراضي المقدسة يقبلون بكل سرور الرواية السياسية التي تقدمها لهم إسرائيل حول المواقع الأثرية بعد أن قامت بتغيير هويتها.
يبدأ فريزر مقالته بالتأكيد على أن السيد المسيح تعمد في نهر الأردن موضحا أن المكان المحدد الذي كان فيه العماد ليس معروفا، "أو للتخصيص أكثر ليس معروفا على أي جانب من نهر الأردن". ويتساءل ما إذا كان يسوع المسيح قد دخل مياه النهر "الموحلة" من الشرق أم من الغرب. ومن يكترث لذلك، يضيف فريزر مستدركا أن تحديد المكان الذي دخل منه المسيح عليه السلام في غاية الأهمية لإسرائيل التي تجني من السياحة الدينية حوالي 3 مليار دولار سنويا، وكذلك للأردن التي ترغب بزيادة حصتها من "الكعكة" على حد تعبير الصحفي والكاهن البريطاني. ولمزيد من التوضيح يذكر فريزر أن ما يزيد عن نصف مليون حاج زاروا موقع القلعة اليهودية على الجانب الإسرائيلي من نهر الأردن العام الماضي.
لكن البابا فرانسيس، عندما سيزور الأردن يوم السبت، يقول الكاهن البريطاني، فإنه سوف يتقدم نحو نهر الأردن من الجانب الأردني قاصدا موقعا دينيا لا يزوره الحجاج المسيحيون كثيرا، موضحا أن هذا الموقع مذكور في الفصل الأول من إنجيل يوحنا الذي يذكر بكل وضوح أن نشاطات يوحنا المعمدان كانت تتركز في ذلك الموقع الموجود على الجانب الأردني للنهر.
وعندما يضفي الحبر الأعظم مثل هذه الشرعية الدينية على الجانب الأردني فإنه يعبر هنا عن موقف سياسي، حسب الكاهن فريزر. وفي هذه البقعة من العالم، يضيف فريزر، فإن أكوام الحجارة القديمة لها أهمية أكبر من الناحية الأيديولوجية وهذه الأهمية هي موضع خلاف. وللتوضيح يذكر كيف كان قادة إسرائيل المتشددين بدءاَ من موشيه ديان ووصولا إلى أريئيل شارون ينشغلون في موضوع الآثار وجمع بقايا المواقع الدينية الإنجيلية. ويستشهد بأقوال إدوارد سعيد حول تعقيدات الهوية اليهودية الإسرائيلية حين قال إن ادعاء إسرائيل الملكية الأيديولوجية للأماكن التاريخية كان محاولة لخلق نوع من الترابط ما بين دولة إسرائيل الحديثة، وبين إسرائيل القديمة التوراتية.
ويورد الكاتب مثالا آخرا يوضح من خلاله سياسة إسرائيل تجاه الأماكن الأثرية هو منطقة مسادة المطلة على البحر الميت. يقول فريزر إن الحصن الموجود على تلة مسادة أعيد اكتشافه في أربعينيات القرن العشرين على يد يهودي يدعى شمارياهو جوتمان الذي حاول أن يضفي على المكان أهمية أسطورية طائفية صهيونية، وكغيره من اليهود الذين حاولوا استحضار الماضي كان شمارياهو يهتم بالناحية القومية أكثر من اهتمامه بالناحية الدينية.
ولا ينكر كاتب المقالة أنه كان لليهود تاريخ طويل في ما يعرف حاليا بدولة إسرائيل، غير أنه يذكّر باللجنة التي شكلها ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل عام 1948 والتي كانت مهمتها تغيير الأسماء العربية للأماكن الأثرية والمقدسة. وكان يقول لأعضاء اللجنة "نحن مضطرون لإزالة الأسماء العربية لأسباب تتعلق بالدولة." وهو بذلك كان قد بدأ عملية أسماها الكاهن فريزر إعادة تشكيل الهوية وبالتالي تسييس المواقع الدينية والتاريخية لجعلها تعكس الجانب الإسرائيلي من الرواية وتغض الطرف عما سواه.
وهنا يعود الكاتب إلى إدوارد سعيد حين قال إن "الفلسطينيين إذا لفتوا الأنظار إلى البقايا التاريخية الغنية جدا في القرى وإلى التقاليد المتوارثة شفويا من شأنه أن يغير هذه الأشياء من مجرد معالم وموجودات تصلح للمتاحف إلى بقايا الحياة الفلسطينية الأصلية والممارسات الفلسطينية التي لا تزال قائمة تثبت قدرة الفلسطينيين على الاستمرارية."
ويختم الكاتب مقالته بالتذكير بأن الحجاج المسيحيين الذين يؤمون الأراضي المقدسة غالبا ما "يبتلعون بسذاجة" الرواية السياسية التي تقدمها لهم إسرائيل حول المواقع الأثرية بعد أن أعيد تشكيل هويتها، في محاولة لتحويل الأرض المقدسة إلى "ديزني لاند دينية" والتظاهر بأن السياسة لا مكان لها هنا، "وهذا لحسن الحظ ليس أسلوب البابا الحالي."
[email protected]