يصادف مثل هذا اليوم 13 آذار مرور سنتين لوفاة المرحوم نعيم مخول، كَتبتُ الكلمة التالية السنة الماضية ولم أنشرها.
نجتمعُ اليوم في ذكرى السنة للمرحوم نعيم يوسف مخول (أبو مُكرم) لكي نذكر ونتذكر الراحل ونصلي من أَجله ومن أجل جميع الاحياء والاموات. نذكر صفاته الحميدة ونتذكر وجوده بيننا، فإن لكل منا ذكريات مع الراحل سوف تبقى حيّة حتى بعد رحيله.
كان المرحوم نعيم مخول، رجلاً بكل معنى الكلمة، صادقاً مع نفسه ومع عائلته ومع المجتمع. عاش تسعين عاماً ، مناضلاً في شتى المجالات منذ كان طالباً في المدرسة الثانوية في البصة ثم معلماً ، ناضل من أجل الحصول على العلم، ثم مناضلاً من أجل الوطن، كان فصيح اللسان، خطيباً بارعاً، بعد النكبة، لم يَحلق شعر ذقنه، حداداً على فلسطين. وفي فترة الحكم العسكري، نفي المرحوم نعيم مخول الى قرية شعب حيث فتح فيها مدرسة لتعليم الطلاب وبذلك كان السباق لافتتاح أول مدرسة في شعب وما زال أهل شعب يذكرونه بالخير وقبل عدة سنوات تم تكريمه بحفل مهيب من قِبل مجلس شعب المحلي وبحضور المعلمين وأهل القرية.
قضى أبو مُكرم جُلّ حياته في العطاء والسّخاء، كان صحفياً لامعاً، دافع عن حقوق المواطنين وتصدّى للقوانين التي استهدفت نزع ما تبقـّـى من الأراضي العربية، وذلك بعد سَن قانون الغائب، فكان كالسد المنيع لقانون تركيز الاراضي ، فجاب القرى والمدن موضحاً مخاطر هذا القانون.
كان من المبادرين لبناء قرية عربية جديدة بالرغم من هدم وتهجير ما يقارب أربع مئة قرية عربية بين السنوات 1948 - 1950 ، تم اختيار موقع باب مرج البقيعة وموقع عطا الله لبناء القرية الجديدة، التي أَطلقَ عليها اسم "انتصار" وقد استعمله عدة عقود، كافح وخاض المحاكم من أجل منع هدم البيوت الاوائل، وقد نجح بذلك، وما زال قرار محكمة العدل معلقاً في صالون بيته حتى اليوم.
كتبت صحيفة الصنارة في صفحة رقم 44 يوم 27 كانون الاول سنة 2002 ما يلي " وكانت هذه المبادرة قد بدأت من قبل المواطن نعيم مخول، الذي وضع حجر الأساس للقرية من خلال بناء بيته في القرية يوم 19 كانون الاول سنة 1952 ..."
اما صحيفة " ميدراما" فقد كتبت في صفحة 19 يوم 10 كانون الاول عام 2003 "وردة ابعثها الى أبناء عائلة مخول في قرية مخول التابعة من حيث التنظيم لقرية البقيعة وهم يحتفلون هذه الايام بمرور خمسين عاما على تأسيس قريتهم"
لقد حارب الفساد في المجتمع وفي كل مكان ، انتسب لجمعية أبناء ابرشية الجليل وكان عضواً فعالا من أجل إيجاد السبل أمام ابناء الرعية لتوفير فرص العمل والمسكن وللحد من الهجرة إلى خارج البلاد، وللحد من بيع ممتلكات الكنيسة.
كان غيوراً على الكنيسة ، عندما طالت المدة والمطرانية لم تباشر في بناء الكنيسة، بادر بإرسال كتاب مطول لسيادة المطران بطرس المعلم يوم 14 آب سنة 1999. في نهاية تلك الرسالة كتب المرحوم ما يلي " أن يبقى الوضع بلا كنيسة أصبح غير مقبول ولا هو معقول ...ونحن على ثقة أن اسطوانة التأجيل والمماطلة والتسويف التي اتبعها السابقون لن تتردد أو تعود ... ومن يدري فقد يتزامن اليوبيل الذهبي للقرية وموعد تدشين الكنيسة وكلنا أمل وكلنا رجاء" وقد تبرع بسخاء لمشروع بناء كنيسة سيدة الجليل البقيعة.
للختام، كان المرحوم رجلاً بكل معنى الكلمة ، فهو رجل الموقف والكلمة، له موقف ثابت مبني على الاخلاق الحسنة ، واذا قال كلمته احترمها ونفذها ولم يغيرها.
عرفته متزناَ يحترم الآخرين ولا يتسبب في اهانة أحد، امتلك النخوة العربية ، وبنفس الوقت كان مزارعاً نشيطاً ، متماشياَ مع العصر الحديث ، فكان أول من امتلك سيارة خصوصية، ثم جراراَ زراعياَ (تراكتور) منذ سنة 1956. هو أول من أدخل زراعة الدراق (خوخ أبو وبر) والكرز والخوخ الأوروبي واصناف اضافية بالإضافة للزراعة التقليدية التي كانت موجودة في تلك الفترة في قرانا العربية، في الجليل مثل زراعة التبغ .
مرت حياة الراحل المرحوم نعيم مخول، بفترات صعبة، تحملها صابراً، دون تذمر، وفي نفس الوقت كان يشعر بفرح وآلام الآخرين، شاركهم أفراحهم وأتراحهم ولم يفقد البوصلة، بقي حتى آخر يوم في حياته رجلاَ بكل معنى الكلمة ووطنياَ أصيلاَ.
للفقيد الرحمة ولكم من بعده طول العمر.
[email protected]