لا يحتمل المرء، مهما كانت وظيفته أو مهنته، بأن تكون الحياة جافّة ناشفة قاحلة مثل أيّام الخماسين في تشرين، لذلك تراه يبحث "بسراج وفتيلة" عن طرفة أو نكتة أو قفشة تضحكه وتفرحه وتخفّف عنه همومه، وقد تراه مثل الأرض العطشى التي تنتظر المطر بتشوّق لما يُضحكه ويّفرحه ،أو يزرع بسمة على محيّاه. وهموم الحياة كثيرة ومتنوّعة لا تستثني من شرّها غنيّا أو فقيرا، شيخا أو شابّا أو صبيّا، رجل أو امرأة ، حاكما أو محكوما،فلكلّ فرد منّا همومه ومشاكله وأحلامه وآماله، وتعبه وراحته وأصدقاؤه وخصومه، والجانب الذي ينام عليه ويريحه أو الذي سرق النّوم من عينيه.
وأظنّ، وبعض الظّنّ إثم، أن الميدان السّياسيّ الذي يتحرّك فيه الملوك والرّؤساء والوزراء والنّوّاب والسّفراء وتابعوهم من المستشارين والمساعدين من أكثر الميادين جدّيّة وجفافا، فالمشاكل السّياسيّة والقوميّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لا تحصى ولا تعدّ. وهي تنبت وتنمو وتظهر قضيّة اثر قضيّة. فلا راحة ولا استراحة. ولو نظرنا نظرة خاطفة أو عميقة متفحّصة، على حياة ميركل في برلين أو أوباما في واشنطن أو السّيسيّ في القاهرة أو العباديّ في بغداد أو غيرهم من الزّعماء لوجدنا القضايا المقلقة والمستعصية تملأ قصورهم ودواوينهم. ومن الطّبيعيّ أن يصيب الصّحافيّين والإعلاميّين "طرطوشة" من هنا أو "كلمة ونصف" من هناك تعكّر المزاج وتتعب الأعصاب وتطيّر النّعاس من المقل المتعبة.
ولكنّ الحياة جمعت الأضداد فهناك القبح والجمال، الشّرّ والخير، الحرب والسّلم، البخل والكرم، الجبن والشّجاعة، الفرار والإقدام، الغدر والوفاء، الهمّ والفرج الخ. ومن الطّبيعيّ أن ينمو ويبرز في الأجواء السّياسيّة القاتمة الجافّة ما يلطّف هذه الأجواء، نسمة عليلة طريّة وسط الخماسيين، شمعة في دياجير الظلام، شربة ماء بارد في الصّحراء وقد يتجسّد هذا في شخصيّات سياسيّة تلعب دور المهرّج السّياسيّ فتتصرّف بغباء أو ببله أو بجنون أو بتخلّف فتشدّ إليها الأنظار.
ما زال أبناء جيلي يذكرون طرائف الرّئيس عيدي أمين الذي دعا غولدا مئير، رئيسة حكومة إسرائيل، المرأة العنيدة المتحجّرة، إلى حلبة المصارعة بعدما انتقدت إحدى تصريحاته. وكان المرحوم ضخم الجثّة وقويّ العضلات.
ومازلنا نذكر تصرّفات الرّئيس معمّر القذافيّ عندما طارد ذبابة في أثناء مقابلة تلفزيونيّة أو مماحكاته في مؤتمرات القمّة العربيّة أو زياراته للعواصم الأوروبيّة وهو يحلّ فيها بخيامه وإبله وحارساته الجميلات.
وبرز في الكنيست الإسرائيليّ على مرّ السّنوات نوّاب " كراكوزات" أضحكوا الكثيرين بخطبهم وتصرّفاتهم واقتراحاتهم مثل الرّاف باجاد أو النّائب الليكوديّ أورن حازان القادم من بار في بلغاريا .
وشاهدنا في الشّهور الماضيّة وفي السّباق الرّئاسيّ الأمريكيّ ظهور شخصيّة كاريكاتيريّة تنافس على زعامة البيت الأبيض، هو المرشّح الجمهوريّ الملياردير رونالد ترامب، الذي يثير عاصفة في كلّ خطاب وفي كلّ لقاء إعلاميّ ويفخر بعدائه للمرأة وللمسلمين و.. و.. ويستعمل لغة فيها كلام فاحش لا يليق بصبية الليل في الشّوارع.
وأنا أُصلّي لله تعالى كي يصل ترامب إلى البيت الأبيض فقد جرّبنا "الزّير" بيل كلنتون. وجرّبنا "هبنّقة" السيّد جورج بوش الابن، وجرّبنا" اسمع بالمعيديّ" السّيد باراك أوباما.. فلماذا لا نجرّب "الخواجة بيجو" أو السيّد " أبو لمعة" أو السّيد ترامب في هذا الزّمن الترلّلي كي نضحك على الأقلّ، وشرّ البلايا ما يضحك.
[email protected]