في أحاديث جرت بيني وبين بعض أصدقائي الكتّاب والأدباء الّذين كلّفتهم بقراءة كتابي (بنت القسطل- صفورية)، لإبداء رأيهم وملاحظاتهم حوله، وذلك قبل دفعه للمطبعة وإصداره في كتاب أقدّمه للقرّاء. بادرني كل من الناقد د. محمد هيبي، الأديب عطا الله جبر، الكاتب نبيل عودة، الكاتب فوزي ناصر، الفنان فوزي السعّدي والأديب محمد علي طه الذي ظهّر الكتاب مشكوراً، بسؤال، هو: لماذا كتبت عن صفورية دون غيرها من قرانا المهجّرة؟ ما دعاني إلى كتابة مقدّمة لهذا الكتاب الذي تفصلنا عن صدوره بضعة أيّام، أوضّح فيها ما يلي:
(قرانا العربيّة الفلسطينيّة التي هُجِّرَت في العام الـ 48، شغلتني طويلاً، لما تمثّله من انعكاسات وقضايا شائكة على مختلف الأصعدة: السياسيّة، الاجتماعيّة، الثقافيّة والإنسانيّة.
انشغالي بهذه القرى، انعكس في بعض شعري الذي ضمّتْه مجموعاتي الشعريّة، حيث تجسّدت في بعض قصائدي العديد من قرانا المهجّرة، منها: "اللطرون"،"البروة"، "معلول"، "المجيدل"، "كويكات"، "ميعار" وغيرها.
في السّياق نفسه، فقد صدرت لي مجموعتان شعريّتان تحت اسم:"برقوق الجرمق"*(1) الصادرة سنة 1990، و"قريب من سما البروة"*(2) التي صدرت سنة 1994. إضافة إلى بعض الأغاني، اشتُهر منها أغنية "كِتْبِة" التي تدور حول قرية "معلول" وغيرها من القرى المهجّرة. قُدّمت بصوت الفنان، فوزي السّعدي. ثمّ توالى على غنائها عدد منَ الفنّانين.
في هذا الإطار، جاء اهتمامي بقرية صفورية التي كثيرًا ما أقوم بزيارة "قسطلها" وبساتينها وتعبئة الأواني من ينابيعها العذبة، بهدف الشرب. ناهيك عن جولاتي المتعدّدة في ربوعها، للتعرّف على معالمها وآثارها الباقية لليوم.
باستطاعتي القول إن ذلك كله، إضافة إلى صداقتي الحميمة مع بعض أبنائها، هو ما بلور تلك المعايشة، إلى مَشاهِدَ شعريّة سرديّة، غامرتُ بكتابتها ونشرها أيضًا.
لم ألتزم في هذه المَشاهِد بسرد الأحداث كما وقعَت منَ النّاحية التاريخيّة، ولم يكنْ ممكناً، بطبيعة الحال، التوقّف عند جميع الوقائع التي جرت في هذه القرية. إنّما وجّهتُ اهتمامي نحو الأحداث التي رأيتها تخدم تناغم الخطوط العريضة لهذا العمل، مع بعض التّصرّف الذي فرضه تصوّري للمناخ الفّنيّ العام لسير هذه المَشاهِد.
في هذا العمل ملامح لشخصيّات اجتماعيّة وسياسيّة، تشبه شخصيّات واقعيّة نعرفها، ذلك كون "المَشاهِد" تدور حول أحداث جسام، جرت في صفورية قبل وبعد الـ 48، شارك فيها وصاغها بشرف واعتزاز، العديد من أبناء هذه القرية التي ستبقى ذكراها حيّة، تتغلغل في الوجدان، أبد الدّهر.)
[email protected]