"بيعز عليّ غني يا حبيبي ولأول مرة ما منكون سوا"، تلك الكلمات، كيف هو الشجن الذي يدخلنا و لا يبارح أعماقنا عند سماعها ؟!
متغلغلة بلحنها وإحساسها وكما يقال " الخارج من القلب يدخل إلى القلب بلا هوادة" .
أغنية "سألوني الناس"، عاش معها الملايين، وعشقها الملايين، واستيقظ على أنغامها الملايين، وارتشفوا معها كوب القهوة الصباحي، لكن ما سر تلك الأغنية وما هي حكايتها؟
كفتاة عربية بسيطة كانت "جارة القمر"، تحلم بأن يكون لها بيت و أولاد ، فتتزوج ويصبح الزوج هو محور الحياة ، هو السند، هو الصديق، هو الروح الصادحة في الأرجاء، "السيدة فيروز" صاحبة الصوت الملائكي، رغم شهرتها كان لها زوجها عاصي الرحباني كل الحياة، ظلّها الذي لا يفارقها في كل خطواتها.
عاصي كانت فيروز صوته، وكان هو لحنها وعينها وفنها، فلا مسرحية دون عاصي، ولا أغنية على مسرح دون أن ترتقبها عين عاصي، ولا نجاح دون أن يكون خلفه عاصي.
عام 1972 أصيب عاصي زوج فيروز فجأة بنزيف في الدماغ، وتدهورت حالته بشكل أدى إلى دخوله المستشفى، في حينها كانت تلعب فيروز دور في مسرحية "المحطة" للأخوين رحباني، ولهذا الحزن الذي كانت فيروز تشعر به كتب منصور الرحباني لها كلمات أغنية "سألوني الناس" لتعبر فيها عن افتقادها لوجود عاصي لأول مرة وهي على خشبة المسرح، رغم ترقبه لها وهو على الفراش الأبيض، لكن لأول مرة فعلاً لم يكن أمام عينيها ، و لتكون الأغنية أقرب للقلب لحنها ابنهما زياد رغم صغر سنه.
غنت فيروز "سألوني الناس" في المسرحية بإحساس أبهر السامعين خاصة لرصانة اللحن لابن السابعة عشر من العمر، تفاجأ الجميع بردة فعل عاصي الغاضبة لأنه كان يرى أن ما قاموا به كان ترويجاً لمرضه، لكن نجاح الأغنية و ذياع صيتها جعل ذلك الغضب يهدأ وخاصة أن الأغنية أصبحت مطلباً جماهيرياً.
عادت فيروز لغنائها بعد فترة لكن هذه المرة مختلطة بدموع الحزن وألم الفراق.
وقفت وأغمضت عينيها ودموعها تسابق الكلمة..
"غمضت عيوني خوفي للناس
يشوفوك مخبى بعيوني
و هب الهوى و ما كان الهوى
لأول مرة ما بنكون سوا"
وبكت فيروز حينها على فراق عاصي الذي غادر الحياة بأكملها وتركها وحدها تصارع ضريبة الشهرة والنجاح وهي التي لم تعتد المواجهة دون سندها عاصي.
بكت على المسرح وهي تغني وأبكت محبيها معها ، فعاصي كان لها الروح التي فارقتها بعد فراقه، والملهم الذي تستقي منه القوة.
فيروز لازالت تتذكر عاصي في كل حين حتى بعد عمرها الثمانين.
[email protected]