إنه الخريف... من قال إنه فصل العودة إلى العمل! لمَ لا يكون الفصل الذي تستمتعين خلاله بالشمس على الشاطئ حين لا تعود أشعتها حارقة، بل لطيفة بحيث تداعبك النسائم الآتية من البحر بعيدًا من ضوضاء حشود السياح.

في الخريف، نعم لأحذية المشي واستكشاف المناطق الريفية، وليكن أيضًا البحر وجهتك... اختاري إجازة في ريف يُشرف على الساحل أو جزيرة تعوم في الأزرق، حيث الفنادق والمنتجعات البحرية التي تخفّض أسعارها في هذا الوقت من السنة، بعدما بدأ السياح يعودون إلى ديارهم وإلى زحمة المدن وجدية العمل، فيما أنت تتأرجحين على أرجوحة شبكية، تستمتعين بقمة الاسترخاء، غير آبهة بالصخب الذي يطرق أبواب المدن. هذه أماكن مثالية اخترتها لك لتمضي إجازة خريفية في حضن الريف و البحر ودفء شمسهما.

أندلوسيا في إسبانيا والمشي الجبلي
رغم قدوم الخريف، فإنّ إقليم أندلوسيا الإسباني يكون دافئًا بشكل فريد، في حين تنعم شواطئه بهدوء جميل أكثر مما هو متوقع. فالخريف يكون الوقت المناسب للتوجه إلى أماكن أكثر برودة نحو التلال وخوض تجربة «المشي الجبلي» في ريف يتشبث بثوبه الأخضر رغم أنف الخريف الذي يتلاعب بهدوء بتدرّجات الأخضر كي تشبهه.

انطلقي إلى سييرا دي أراسنا وهو متنزّه وطني يقع شمالي إشبيليا، والأقل شهرة بين متنزّهات أندلوسيا. اربطي شريطي حذائك الرياضي وابدئي باكتشاف الأودية الحرجية والقرى ذات البيوت الملتحفة بالكلس الأبيض، والمندسة بين بساتين الكستناء، أوراقها تتحول إلى الأحمر والذهبي إذ تخضع لإرادة الخريف الذي يبشّرها بدنو موعد قطاف ثمارها.
وبعد الجولة الريفية، تدحرجي نحو سوق المدينة أراسنا النابضة بالحياة، واكتشفي كهوفها الجيرية والكنيسة التي تعود إلى القرن الثالث عشر والتي بناها فرسان الهيكل. واستريحي في مقهى-بار مانزانو، لتستمتعي بأطباق التابس Tapas، أي المازة الإسبانية، ولمَ لا تجرّبين Setas الشهيرة في الإقليم! إنه موسم الفطر البرّي.
ولتعيشي نوستالجيا حياة الريف بكل تفاصيلها، فمزرعة فينكا ايل مورو تحقق أمنيتك. في قلب المتنزّه الوطني، سييرا دي أراسنا، تنبسط هذه المزرعة على رابية صغيرة على مساحة 75 فدانًا، تحضن ثلاثة أكواخ، يسع الواحد منها من ثلاثة إلى ستة أشخاص، ولكل كوخ مدخل خاص وحوض سباحة خاص.
هنا في هذه المزرعة قولي وداعًا لتوتر العصر وأحداثه، فلا واي فاي، ولا تلفزيون، لا أخبار عصرية تنغص عليك إجازتك، فمن الجميل الابتعاد عن العصر ومشكلاته، والاستمتاع بالطبيعة في حياة المزرعة. واستنشقي الهواء النقي أثناء التجول في المزرعة أو القيام بـ picnic إذ يساعدك الحمار «فيوليتا» بنقل سلال الطعام وباقي الأمتعة التي تحملينها معك. ولم لا تجرّبين التجوال على ظهر أحد أحصنة المزرعة؟

جزيرة سردينيا في إيطاليا
تكشف لك زيارة سردينيا في الخريف، أحد أسرار الجزيرة الدفينة: Autunno in Barbagia، أي الخريف في Barbagia. فبين أيلول/سبتمبر وكانون الأول/ديسمبر، تنظّم سلسلة المهرجانات في 27 قرية في Barbagia، وهي منطقة جبلية في جزيرة سردينيا الداخلية.
تتحوّل الشوارع إلى أسواق مفتوحة حيث يعرض الحرفيون المحليون أعمالهم اليدوية، ويرمي السكان المحليون مفاتيح أبواب بيوتهم، ويستقبلون في غرف الطعام زائري المنطقة، وينظمون جولات سير على الأقدام في أحضان التلال الخضراء. ومشهد الروابي الخضراء المنبثقة وسط الأزرق الفيروزي للمتوسط، يجعلك تهرولين نحو أحد الشواطئ التي يسكنها الهدوء، بعد صيف ازدحم بالرواد، ولا تترددي بالسماح لبشرتك بامتصاص بعض أشعة الشمس الذهبية.
يدخلك المكوث في أحد فنادق الجزيرة إلى عالم مدسوس في غابة من أشجار الفلين في قلب Barbagia، تستيقظين على روائع الطبيعة وهي ترفع جبينها الأخضر لتنال قبلة الشمس الصباحية، فتغسل صفحة وجهها بالنور وتجففه بنسائم المتوسط، لتعود وتستقبل المساء بعد أن تنسج خيوط الأرجوان التي تغوص ساعة الغسق في جمال الليل المستتر.
معلومة: متوسط الحرارة القصوى في الخريف في سردينيا 27 درجة مئوية

بلدة الصيادين كاس في تركيا حيث تاريخ الليكيين ينتظرك بصمت
«اصطحب رجلاً كفيفًا إلى ليكيه، فإنه سيعرف على الفور من عطر الهواء أين هو. فهنا العطر النفّاذ لزهر الخزامى، والنعناع والصعتر البري، سوف يخبره أين هو»، الكاتب التركي جواد شاكر «صياد هاليكارناسوس».
عند ساحل ليكيه جنوب غربي تركيا، وعلى طول الساحل الفيروزي، عاش الليكيون Lycians أكثر الشعوب القديمة غموضًا. ورغم القليل الذي ورد في سجل الليكي التاريخي، فإن ما اكتشفته الحفريات الأركيولوجية، يظهر أنهم شعب كان لديه ثقافة رائعة ميّزته عن ثقافات شعوب العالم القديم.
تعكس المواقع العشرون التي تم اكتشافها، الهندسة المعمارية الفريدة على أرض ليكيه البكر التي تحبس الأنفاس لروعتها.
ووسط هذا التاريخ الغامض المتآمر مع الجمال الطبيعي، تستريح كاس قرية الصيادين في ساحل ليكيه، والخريف هو الوقت المثالي لزيارة هذه القرية القديمة والتنعّم باسترخاء جميل يدخلك في عالم مضمّخ بعطر الياسمين المتناثر في كل ركن فيها.
هنا ينتشر الكثير من الاستراحات الصغيرة والمقاهي الهادئة التي تقدّم خدمة الطبخ المنزلي، وتتيح لك الحانات الصغيرة قمّة الاسترخاء بعد الغوص.
ويقول السكان المحليون إن أفضل وقت للغوص هو بعد المطرة الأولى، عادة ما بين أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين الأول/اكتوبر حين تستطيعين أن تري عالم الأسماك بوضوح. وفي كاس، مهرجان الفنون السنوي الذي يضم حفلات موسيقى الجاز في المسرح الهلنستي التاريخي وعروض «الفرن» حيث تستمتعين بعروض صناعة السيراميك تحت الماء.
أما إذا قررت استكشاف الطريق الليكية، وهو ممر يمتد على مسافة 500 كيلومتر من فتحية إلى أنطاليا من خلال الأرض القديمة من ليكية، فإن كاس قاعدة جيدة لاستكشاف الأجزاء الجنوبية.

متوسط درجة الحرارة القصوى: 29 درجة مؤية

دوبروفنيك في كرواتيا: سياح أقل ومتعة أكثر
تملك دوبروفنيك سحرًا لا يضاهى، فالتنزه سيرًا على القدمين، لا سيما في منطقة لا بلاسا التي تمتد من محطة الباصات الواقعة خلف بوّابة بيل حتى برج الساعة الواقف عند أقصى الجهة الأخرى للمدينة، يأخذك في رحلة إلى التاريخ المتناثر بين صفحات المدينة يقف بأبهة لا تعرف الشحوب. وخلال الصيف تكون دوبروفنيك مكتظة بالسيّاح، فيصعب العثور على غرف أو شقق فندقية، وكذلك في السفن السياحية التي ترسو في مينائها، مما يصعب على الواحدة منّا الانتباه إلى التفاصيل الرائعة التي تحضنها المدينة، فيما يكشف الخريف بهاءها ليأخذك في جو من الهدوء والاسترخاء، حيث الرطوبة أقل والبحر لا يزال دافئا بما يكفي لحمام شمس على رمال لؤلؤية، والاسترخاء على شاطئ تغلّفه نسائم البحر الأدرياتيكي، تداعب مخيلتك أثناء تأملك الموج وهو يذوب بين ثغرات حصاه البيضاء، تراقبين غروب الشمس الأرجواني كأنه ريشة ألوان تغوص في كواليس الحضارة الأوروبية التي ذابت فيها أدوار كرواتيا بين النصوص المقروءة وسطورها المتقاطعة، لتعيد رسم التاريخ كما تريد.
في الخريف، تشهد أماكن الإقامة والعبّارات انخفاضًا في الأسعار بشكل كبير. اقفزي إلى إحدى العبّارات الصغيرة وابحري خلال 50 دقيقة إلى جزيرة بود، حيث أفضل الشواطئ في منطقة دوبروفنيك.
متوسط درجة الحرارة القصوى في دوبروفنيك 25 درجة مئوية

رودوس في اليونان
عندما تقررين تمضية إجازة في الخريف، فأنت تبحثين عن الشمس الدافئة لا الحارقة، والهدوء الجميل لا الممل. وإجازتك الخريفية في الجزر اليونانية قد تجعلك حائرة بعض الشيء، فكل جزر اليونان جميلة مع ما تتضمنه من تاريخ متناثر كيفما جلت فيها، وطبيعة ريفية مستريحة، وشواطئ تعانق المتوسط الفيروزي. ولكن هناك جزيرة واحدة تجعلك تنعمين بكل هذا، إضافة إلى الهدوء الجميل في هذا الوقت من السنة... إنها رودوس.
فبلدتها القديمة التي تعود إلى القرون الوسطى، تكون مكتظة بالسياح خلال الصيف. فيما زيارتها في الخريف تتيح لك الشعور بأن كل ما فيها يرحّب بك، الأزقة الضيقة التي تصطف على طولها القصور العثمانية، والساحات الهادئة، كلها تتبادلين معها الحديث الصامت وكأن كل شيء هو لك. وأيلول أفضل وقت لزيارة ثيولوغوس «فراشة الوادي»، الأكثر شعبية بين السياح الذين يزورون الجزيرة.
وكذلك زيارة الوادي الصغير الأخضر الجميل في وسط الجزيرة فيكون خاليًا من السياح، مما يعطيك حرّية رصد الآلاف من الحشرات ذات الألوان الزاهية، والتي تعيش فيه بين شهري أيار/مايو وأيلول/ سبتمبر، لذا استفيدي من هذه اللحظات.
الحرارة في أيلول تكون معتدلة جدًا مما يجعل زيارة رودوس في هذا الفصل مثالية للحصول على بشرة برونزية قد تستقبلين بها الشتاء، فلا تترددي في أخذ حمام شمس على أحد شواطئ الجزيرة. وتوجهي إلى كاليثيا التي تبعد 8 كيلومترات وتشتهر بينابيعها العلاجية الساخنة.
متوسط الحرارة القصوى في رودوس 28 درجة مئوية

قبرص خريفها هدوء وشمس دافئة
قبرص هذه الجزيرة العائمة في المتوسط حيث تكوّنت أفروديت أسطورة الحب والجمال من زبد البحر، شواطئها الرائعة التي تعانق الأزرق وصيفها الجميل، وريفها مواصفات تجعل قبرص على قائمة المناطق التي نمضي فيها إجازة. غير أن قبرص في الخريف تزداد جمالاً، فالشواطئ تصبح أقل ازدحامًا فيما لا تزال الشمس تغمر الجزيرة بدفئها فتحلو السباحة في المياه.
لربما منتجعات قبرص البحرية تغريك في المبيت فيها، ولكن في العقد الأخير ظهر نوع جديد من أمكنة المبيت، فقد حوّل بعض سكان الجزيرة بيوتهم إلى نزل ومضافات للسياح الراغبين في إجازة غير مكلفة، وفي الوقت نفسه يتعرّفون على نمط عيش القبرصيين وطقوسهم العائلية.
أما المناطق الريفية فتنتظر روّادها مع شروع الخريف ببسط مروحة ألوانه، يداعبها بنسائمه الباردة فيكون المشي بين أحضان الريف متعة تشعل المخيلة التي ربما تطفئينها عند نزولك في المياه الدافئة تستمتعين بسباحة ولا أروع، في خليج المرجان الذي حفرته الطبيعة على شكل حدوة حصان مدعومة بأجرف من الحجر الجيري.
متوسط الحرارة القصوى في قبرص 33 درجة مئوية