نجاح الرئيس الفلسطيني "أبومازن" في إفشال مهمّة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري " التي تتمحور حول اقناعه بأن لدى واشنطن مشروع امريكي للسلام، ولا تزال لديها القدرات الكافية للتأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" لم يكن مصادفةً، بل كان مبنياً على هواجس تقول بأن "كيري" يهدف إلى تخفيف نبرة خطاب "أبومازن" في الأمم المتحدة، لشعور واشنطن بأن الخطاب سيكون بالنسبة لها جارحاً، وفي ضوء أن هناك معطيات سابقة تدل بأنها بدت متراخية بشأن المسألة الفلسطينية، وتراخت أكثر حتى النوم تماماً، خلال هذه الفترة برغم تطوراتها المتصاعدة سياسياً وميدانياً، حيث أنها لم تبلغ أحداً بأن هناك مشروع سلام، كما أنها لم تستطع ممارسة أيّة تأثيرات تذكر على إسرائيل، وحتى تلك التي قامت بممارستها والمتمثّلة بعدة كلمات ناقدة، لم تكن مُلفتة.
ولعل الناظر إلى التاريخ الطويل فسيرى تسجيلات لا حصر لها بشأن فشل كل الخطوات بحذافيرها، التي قامت واشنطن على مدى إداراتها المختلفة (جمهورية وديمقراطية) وسواء التي تعلّقت بمشروعاتها للسلام أو تلك المتصلة بمسألة تأثيراتها على إسرائيل، والتي تهدف إلى حث إسرائيل على تنفيذ بنداً واحداً من مستحقات السلام، أي التي كانت قد وافقت عليها مسبقاً، وسواء كانت بواسطة ضغوطات جيّدة أو إغراءات خيالية.
حتى هذه الأثناء، لم تستطع إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" من إقناع "نتانياهو" حتى بالتخلي عن السياسات التي من شأنها أن تعمل على تسخين الأوضاع أكثر من اللازم، حيث التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وعلى كافة اتجاهاته ومستوياته وخاصة بالنسبة لمسألة النشاطات الاستيطانية، والتعديات الصارخة على المسجد الأقصى ومحاولة فرض حقوق يهودية من خلال اعتماد إجراءات تؤدّي إلى تقسيمات مكانية وزمانية ثابتة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أبدت الإدارة الأمريكية، تجاهلاً تاماً بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وأثبت ذلك خطاب "أوباما" أمام الأمم المتحدة ذلك بوضوح، حين خلا تماماً من ذكر فلسطين وحتى لم يحمل أي تلميح عن الصراع، أو عن أيّة مشاريع سلام، كما احتال "كيري" قبل لحظة واحدة من إلقاء الخطاب، واستعاض بدلاً عنها، بالمناداة إلى مواجهة الإرهاب وتنظيم الدولة، باعتباره بات يُشكل التهديد الأوحد لأنحاء الأرض، واستطاع بها جلب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى الشراكة معه في مواجهة ذلك الإرهاب.
لقد جلب "أوباما" يأساً كبيراً – فلسطينياً- على الأقل، الذين سارعوا إلى إعلان خيبتهم الغامرة من سياسته المتدهورة، لكنه كان يقصد ذلك، وربما كان لديه الحق، بسبب يقينهِ، بأن العرب كلّهم تقريباً، مشغولون بأنفسهم وبصراعاتهم أكثر من أي وقتٍ مضى، كما أن لديه شعوراً عارماً، بأنهم تفككوا تماماً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وازدادوا بعداً عنها، حتى أصبحوا على قلوبٍ لا تحزن، وباتوا لا يؤرّق مضاجعهم سوى الإرهاب وتنظيم الدولة، برغم ربطهم – أحياناً- بأن حل القضية الفلسطينية سيعبّد الطريق إلى محو الإرهاب من جذوره، فمصر – مثالاً- باعتبارها أكبر دولة، ترى في الحرب على الإرهاب قضية أهمّ من القضية الفلسطينية، ولن نقول في الوقت المنظور على الأقل، بسبب أن لا إضاءات محتملة في المستقبل.
ربما يجدر بنا القول، أنه ليس من الجيّد الاتكال على المواقف الغربية والأمريكية، بسبب أنها مواقف مرتعشة، وهي متهالكة بالضرورة، وغير قادرة على إنشاء حلول، وبنفس القدر بالنسبة للمواقف العربيّة، باعتبارها هي الأخرى لا تسمن ولا تغني من جوع، وسواء كانت مصفوفة أو متفرّقة، بسبب أنها مواقف أقوال وحسب.
وعلى أي حال، لم يبقَ أمام الرئيس "أبومازن" سوى ساعات قليلة لألقاء كلمته أو موقفه تحديداً من كل ما يجرى، سيما وأن الصور جميعها (غربية وشرقية) أصبحت واضحة أمام عينيه، ولا نقول بضرورة أن يكون مُتحدياً، بسبب الخشية من الوقوع داخل الفخاخ الأمريكية المُعدّة له بحرص وإتقان فائقين، سيما وأن واشنطن لديها علم بما تحويه قنبلته الموعودة، وفي أي الأمكنة ستصل شظاياها، وكانت قد استعدت لها كفاية، حتى قبل انفجارها.
[email protected]