اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً بقصص وصور ومقاطع فيديو تروي وتوثق معاناة اللاجئين، وخاصة السوريين، في رحلتهم عبر بحر إيجه، مروراً باليونان ومقدونيا وصربيا وهنغاريا، وانتهاءً بالقبلة الموعودة في ألمانيا أو السويد.
رافق ذلك صور وشهادات عيان ومقاطع فيديو لمواطنين ألمان ومجريين وغيرهم آخرين من أوروبا أثناء تقديم الخدمات التطوعية للاجئين الذين وصلوا حديثاً أو تقطعت بهم السبل. هذه المقاطع أثارت عواطف جياشة في الفضاء الافتراضي، بل وامتد أثرها إلى خارج هذا الفضاء، مثلما حصل مؤخراً في إنجلترا.
وهزت صورة الطفل السوري من مدينة كوباني آلان الكردي وقد جرفت أمواج البحر جثته إلى شواطئ مدينة بودروم التركية الرأي العام العالمي وأثار السخط على سياسات بعض الدول الأوروبية الرافضة لاستقبال اللاجئين.
هذه الصورة دفعت عدداً من البريطانيين إلى إطلاق عريضة مفتوحة تطالب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بتخفيف القيود المفروضة على استقبال اللاجئين (منحت بريطانيا حق اللجوء لخمسة آلاف سوري فقط منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا)، وقد تجاوز عدد الموقعين على هذه العريضة حاجز المائة ألف شخص، مما سيجبر لندن – بحسب القانون – على مناقشة محتواها في البرلمان.
أين الخليج من هذا الضجيج؟
جزء كبير من السخط والغضب الشعبي في الشرق الأوسط والغرب أيضاً اتجه إلى المنطقة الأغنى والأكثر استقراراً فيه، ألا وهي دول الخليج، وبالتحديد المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، التي لا تخفي تدخلها الواضح في الحرب الأهلية بسوريا ودعمها لقوى المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
على موقع "تويتر"، الذي يحظى بانتشار واستخدام واسعين في منطقة الخليج، بدأت العبارة المفتاحية (هاشتاغ) "اللاجئون_السوريون_لهم_مكان_في_الخليج" بالانتشار في أوسط المغردين ومعارضي الأنظمة هناك، الذي قرن بعضهم هذا الهاشتاغ مع مقطع الفيديو الذي يصوّر انتشال جثة الصبي آلان الكردي
وأتبع البعض تغريداتهم بكاريكاتير يقارن بين سياسات الدول الخليجية ودول الاتحاد الأوروبي في استقبال اللاجئين
بينما أوضح آخرون أن هناك فرقاً بين سياسة الحكومات الخليجية ووجهة نظر المواطن العادي:
من جهتها، وبالرغم من عدم وجود موقف رسمي موحد من قضية اللاجئين السوريين، مازالت دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات وقطر والكويت، مصرة على عدم استقبال أي لاجئ سوري، الأمر الذي يثير سخط بعض مواطني تلك الدول وانتقادات لاذعة من خارج المنطقة، خاصة في أوروبا.
ولكن كانت هناك بعض التصريحات لساسة وكتّاب خليجيين حاولوا فيها تبرير عدم استقبال اللاجئين، منهم المحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد الشليمي، الذي برّر في حوار مع قناة إخبارية فضائية عدم استقبال الكويت للاجئين السوريين بأنهم يعانون من "مشاكل عصبية ونفسية" ومن "بيئة أخرى مختلفة"، وساق أيضاً حجة تكلفة المعيشة المرتفعة في الكويت، والتي تتطلب من اللاجئين أموالاً أكثر من دول أخرى بالمقارنة.
"دول الخليج في أسوأ موقف إنساني لها عبر تاريخها"
حول ذلك، يردّ مدير مؤسسة القسط الحقوقية يحيى العسيري في لندن، في حديث مع DWعربية، بالقول: "السبب الحقيقي هو أن الحكومات الخليجية مستبدة وبيدها الثروة والمال، ووجود اللاجئين ينقص هذه الثروات، بعكس الدول الأوروبية. هناك نظرة مصالح شخصية ضيقة لأزمة اللاجئين، ولولا وجود الاستبداد، لكانت الشعوب الخليجية أقرب إلى السوريين من الأوروبيين. نحن نشارك في الأزمة بدعم الفصائل المتناحرة فيسوريا وتلك التي تقاتل بشار الأسد ... للأسف قدم الخليج الأموال لبعض الفصائل المقاتلة لشراء ذممهم، وهذا زاد الأزمة، وأصبح لكل دولة جناح مسلح يقاتل من أجلها، ما عقّد الوضع في سوريا. دول الخليج الآن في أسوأ موقف إنساني لها على مر تاريخها".
من جانبه، كتب الناشط والكاتب الإماراتي سلطان سعود القاسمي مقالاً نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة "إنترناشونال بيزنس تايمز" قال فيه: " قبل ربع قرن، مُنح مئات الآلاف من الكويتيين اللجوء في الخليج بعد غزو صدام لبلادهم، وفي أبو ظبي استأجرت الحكومة مبان سكنية كاملة ومنحتها للأسر مجاناً، بل إن والدي خصص مجلساً مجانياً للكويتيين في الطابق الأرضي من إحدى المنشآت التي يمتلكها".
ولكن يبقى أبلغ وصف للحالة العربية في مواجهة سيل اللاجئين المتدفق من مناطق الصراع بالشرق الأوسط ما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، الذي أقرّ بعجز الدول العربية عن حل مشكلة اللاجئين، وذلك في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول التركية.
وأضاف العربي بالقول: "رغم وجود مجهود دولي وعربي لحل مشكلة اللاجئين السوريين، لكنه لم يؤد إلى شيء"، مطالباً بـ"إجراءات عملية عاجلة للتخفيف من معاناة (الشعب السوري)، بالسعي لوقف القتال والإسهام في توفير متطلبات الإغاثة الإنسانية".
يشار إلى أن أكثم أبازيد، المدير التنفيذي لجمعية لين للإغاثة، التي تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقراً لها، كان قد صرح أمس الخميس لـDWعربية بأن المساعدات العالمية المقدمة للاجئين السوريين حتى الآن لا تغطي أكثر من ثلث احتياجاتهم الحقيقية، التي قدّرها بنحو خمسة مليارات دولار.
فهل تساهم دول الخليج في تغطية هذا المبلغ؟
[email protected]