فيما ترفض دول الخليج العربية الغنية استقبال لاجئين على أراضيها وإتباع سياسة انتقائية لصالح الأغنياء منهم، تتحمل دول عربية فقيرة العبء الأكبر من موجات النزوح بجهود ذاتية في ظل غياب رؤية عربية موحدة لمواجهة مشكلة اللاجئين.
تواجه الحكومات العربية انتقادات كبيرة، لغياب سياسة عربية واضحة لاستقبال اللاجئين على أراضيها، كما أن فقدان اللاجئين للحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، هو من ضمن الأسباب الرئيسية لهجرتهم صوب القارة الأوروبية. ووفقا لإحصاءات المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، فإن الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين استقبلتهم دول مثل الأردن ولبنان؛ الدولتان الفقيرتان بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة والإمكانات المتواضعة، كما استقبلت تركيا أيضا مئات آلاف اللاجئين السوريين، مع غياب واضح للدول العربية الغنية وعلى رأسها دول الخليج.
ولعل الطلب الألماني على لسان نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابريل لدول الخليج العربي من أجل "منح ملايين اللاجئين من سوريا والعراق، فرصا أفضل للعيش على أراضيها، وتحسين ظروف اللاجئين السوريين والعراقيين" وذلك ضمن جولته الخليجية الأخيرة في مارس 2015، يسلط الضوء على مدى الأهمية التي تعول عليها الدول الأوروبية على الدور الخليجي للعب دور أكبر في ملف اللاجئين، الذي أصبح كابوسا يؤرق أوروبا.
تقصير خليجي واضح
يعترف الكاتب الصحفي والمحلل السعودي سليمان العقيلي في حوار مع DWعربية بأن دول الخليج استقبلت "أعدادا قليلة من اللاجئين على أراضيها، مقارنة بدول أخرى مثل الأردن ولبنان"، إلا أن هذا لا يعني أن دول الخليج نأت بنفسها عن المساعدة. فالعواصم الخليجية ـ كما يقول ـ دفعت "مليارات الدولارات" من أجل مساعدة اللاجئين العرب في المخيمات الموجودة في الدول الأخرى. كما أن العديد من المؤتمرات قد خصصت لدعم اللاجئين السوريين ماليا، وكان أخرها في الكويت في مارس/ آذار من العام الحالي.
وبالرغم من تعهد مؤتمر الكويت بتقديم 3.8 مليار دولار للتخفيف من الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السوريون، إلا أن أيا من الدولة الخليجية لم تعرض استقبال لاجئين على أراضيها. كما اكتفت جامعة الدول العربية بالثناء على المانحين العرب لتبرعاتهم وخاصة الكويت التي تبرعت بمبلغ نصف مليار دولار، من دون أن تتطرق الجامعة إلى ضرورة إيجاد رؤية عربية موحدة أو آليات ملزمة للدول الأعضاء لتوزيع أعباء اللاجئين عليها.
ويبرر العقيلي الانغلاق الخليجي أمام اللاجئين بأنه نابع من "خوف تصدير الأزمة إليها، وهو ما يقلق الحكومات الخليجية بشدة"، خاصة وأن دوائر الحكم الخليجية ترى بأن المنطقة العربية تشهد اضطرابات وقلاقل بشكل عام، وهو ما قد يجعل من أراضيها ساحة لامتداد هذه الأزمات. وأكد العقيلي بأن دول الخليج استضافت جاليات عربية كثيرة قبل الربيع العربي، وما تفعله اليوم من انغلاق هو من باب الحماية لهذه الدول.
وبدوره يؤكد الخبير المصري من مركز الأهرام الاستراتيجي معتز سلامة في حديث مع DWعربية على أقوال العقيلي، قائلا أن السياسة الخليجية إزاء اللاجئين بدأت تتشكل بعد المظاهرات التي شهدتها الأراضي الإماراتية من بعض الوافدين السوريين، الذين تظاهروا ضد بشار الأسد في شباط / فبراير 2012، وقيام السلطات الإماراتية حينها بإلغاء إقامة المتظاهرين السوريين وترحيلهم من أراضيها، وهو ما أثار انتقاد مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش.
نعم للمستثمرين ولا للاجئين
وبالرغم من مناشدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حكومات دول المنطقة بتوفير ملاذ للاجئين الفارين من سوريا، فإن العواصم الخليجية أبدت عدم مرونة لاستقبال هؤلاء اللاجئين. وانتقد مراقبون سياسات الدول الخليجية التي تقفل أبوابها أمام اللاجئين المحتاجين للحماية، والذين تقطعت بهم السبل، لكنها تفتح أبوابها على مصراعيها أمام الأغنياء منهم فقط، وهو ما يطرح التساؤل إن كانت دول الخليج تبحث عن لاجئين على أراضيها من تصنيف الدرجة الأولى.
إلا أن الكاتب السعودي العقيلي يوضح بأن هنالك "أكثر من دافع يتحكم في السياسات الخليجية"، فدافع "الأمن" هو أحد الدوافع المحركة إلا أنه ليس الدافع الوحيد. ومن بين الدوافع الأخرى المؤثرة في عملية صنع القرار الخليجي "دافع المصلحة"، وهذا الدافع هو الذي فتح أبواب الدول الخليجية لهؤلاء الأغنياء، ليستثمروا أموالهم فيها. فباب الاستثمار مرحب به خليجيا وله استثناءات كثيرة من أجل تشجيع رؤوس الأموال. لذلك ـ والكلام مازال للخبير السعودي ـ أبدت دول الخليج "مرونة كبيرة" في عدم ربط الجنسية برأس المال، فرحبت بالاستثمار داخل أراضيها بغض النظر عن جنسية المستثمر، وهو ما أدى إلى "فهم مغلوط "للبعض، من أن دول الخليج تقبل بلاجئين أغنياء فقط، والصحيح أنها رحبت بهم كمستثمرين.
ويرى الخبير المصري معتز سلامة أن "غياب رؤية عربية واضحة لاستقبال اللاجئين، ودمجهم أو توزيعهم أدى إلى تدهور أوضاع اللاجئين العرب في الدول العربية" التي منذ استقبالها للاجئين الفلسطينيين عام 1948 ومرورا بالأزمات العربية المتجددة وصولا إلى نزوح السوريين الهاربين من الحرب إلى الأقطار العربية "لم تتخذ أية إجراءات أو سياسات واضحة لاستقبال اللاجئين"، بل اعتمدت سياساتها على "العشوائية والتخبط". ولعل هذا ما دفع بمنظمة العفو الدولية عن الإعراب مؤخرا عن صدمتها لعدم استقبال الدول العربية الغنية للاجئين السوريين على أراضيها، ولاسيما دول الخليج التي ينبغي "للروابط اللغوية والدينية أن تضعها في مقدمة الدول التي تشكل مأوى آمناً للاجئين الفارين من الاضطهاد وجرائم الحرب في سوريا"، على حد تعبيرها.
[email protected]